الأب المثقل بأعباء الحياة
الشقوق التي رسمها الزمن على أيدي آبائنا ووجوههم ماكانت إلا دليلًا حُفر كشاهدٍ على قسوة الحياة التي عاشها كل أب خارج منزله من أجل أن يؤمن حياة كريمة لعائلته.
كل يوم وأنا أخرج في هذه الحرارة المستعرة - وهو صيفنا الذي لم ولن نعتد حرارة شمسه الشديدة - يتراود في ذهني سؤال مؤلم وهو: أنَّى لأبي وكل الآباء أن يتحملوا سنينًا من العمل الشاق في هذا الحر الذي ما إن نتعرض له حتى نعود لمنازلنا بإعياء وصداع وتعب لا نملك من الفرار منه حولا ولا قوة؟ ولم يكن الجو وحده هو ماجعل هذا السؤال مؤلمًا بل هي الأعباء المُثقلة التي يتحملها الأب خارج نطاق المنزل من الخروج صباحًا وتحمل مسؤوليات العمل ومتطلباته وضغط الرؤساء وزحمة الشوارع وقيادة المتهورين والنافذة التي تحتاج لإصلاح والماسورة المكسورة والإنارة المحترقة والسيارة المتعطلة والذهاب للسوق وشراء المؤونة وتلبية طلبات الصغير قبل الكبير من أبنائه وراتبه الذي ما إن يقر عينه برؤيته لدقيقة حتى يرى عداده ينخفض في لمح البصر؛ يسدد به فاتورة الماء والكهرباء والهاتف وقيمة القرض وثمن الوقود وقيمة الطلبات المدرسية ومالا نهاية له من مطالبات ومع ذلك يحمل هم تربية أبنائه وحل مشاكلهم وواجباته الاجتماعية وهو مُطالب فوق ذلك كله بأن يكون واسع البال مع كل من حوله.
حتمًا أننا نرى سعة البال وقوة الصبر لدى آبائنا الذين لا يسردون علينا يوميًا كل مايمرون به من أعباء تتكرر كل يوم عبر السنين الطويلة ولكننا لا نعي مايقاسونه إلا عندما تنتقل تلك المسؤولية إلينا؛ عندما لا يعود الأب حاضرًا ليقوم بكل ذلك لعائلته وعندما يغيب حضوره عن المشهد.
عندها سندرك كم كان أباؤنا مثقلين بهمومنا وهم توفير معيشة كريمة لأجلنا، آباؤنا الذين لم يقفوا يوم استلام الراتب ليشعروا أن هذا المال الذي قاموا باكتسابه بعرق جبينهم وكدهم وتعبهم هو لهم خالصًا من دون باقي الالتزامات، هو واجبهم الذي فرض عليهم وجعل الله لهم المقدرة على تحمل هذا العبء الكبير..
هذا الواجب الذي لو تخلى الرجل عنه تجاه أسرته لعانت كثير من الأسر من الضياع ولست بمقالي أنكر أن عمل المرأة ساعد كثيرًا في حمل الأعباء المادية عن كاهل الأسرة ومعاناتها أيضًا في حمل أعباء أسرتها وعملها وهو ليس بالأمر الهين أبدًا لكن الأب يقوم بكثير من المشاق التي لا يدركها الكثير وبحاجة للوقوف عليها وأن نلقي نظرة عميقة لما يعانيه هذا الأب من دورٍ قد لا ينال التقدير في أحيانٍ كثيرة.
فشكرًا لأبي ولكل الآباء الذين يتحملون أعباء هذه الحياة من أجل توفير حياة كريمة لأبنائهم.