حسين السنونة يكشف الزيف في مجموعته القصصية ”أقنعة من لحم“
عن دار ”سطور عربية“ و”نادي المدينة المنورة الأدبي الثقافي“، صدرت حديثًا للكاتب حسين السنونة المجموعة القصصية الجديدة ”أقنعة من لحم“.
تشتمل المجموعة على العديد من القصص، التي يتناول السنونة من خلالها طرح قضايا اجتماعية، وانتقاد أوضاع سلبية بأسلوب لاذع، يحمل سمات أدبية فارقة، إلى جانب قدرة فائقة على التكثيف، ونزوع إلى السخرية والتهكم، وصولًا إلى التعرية الكاملة وكشف الأقنعة والزيف. ومن هذه القصص: أقنعة من لحم، ملك الموت لا يتكلم العربية، ترانيم مواطن لا يتحرك، أشتاق للعناق فأستيقظ، مجرد رسالة من عجوز، صرخة طينية، إشهار جوع، اتصال مائي، اسمي وأسماؤهم، وغيرها.
من أجواء قصته ”أقنعة من لحم“ نقرأ: ”كعادته كل صباح وحتى يتأكد من صحوه يكرر“ صباح الخير خالق الجمال"، ثم يتوجه إلى الحمام؛ كل شيء جاهز: الماء، الصابون، الشامبو والأشياء الأخرى، تنشف بشكل سريع، تأكد أنه أعاد وضع كل شيء في مكانه، وأغلق الماء بشكل جيد، فأسعار المنظفات والماء ترتفع يوما بعد الآخر دون سابق إنذار. ارتدى ملابسه واستدار نحو المرآة لكي يتفقد وجهه ويرتب شعره، توقف؛ وضع يديه على وجهه، يتحسسه مبحلقا ومصعوقا وصارخا في صمت: وجهي.. وجهي، من أين أتى هذا الوجه؟ أين ذهب وجهي؟. عاود صراخه المكتوم: وجه كلب..يا الله وجهي وجه كلب!
تسمر في مكانه.. لا حراك..
دخلت زوجته عليه تخبره أن الفطور جاهز والأولاد ينتظرونه لتوصيلهم للمدرسة، وخرجت.
تفاجأ أن زوجته لم يستوقفها ما هو عليه.
عاد لغرفته، لم يخرج، جلس على السرير، قام متجها إلى مرآة غرفته يراجع ما جرى؛ فعل ذلك مرات ومرات؛ وفي كل مرة يتأكد، وجه كلب، يا الله كيف يواجه العالم، لا بل كيف يواجه زوجته وأولاده وجيرانه قبل العالم؟ وماذا عن الأصدقاء وزملاء العمل؟ كيف يمارس حياته؟ ماذا يحدث؟ الأسئلة تتخبط في رأسه؟ ولا إجابة؟.
رجعت زوجته له: ماذا بك اليوم هل أصابك الكسل والخمول، الفطور يبرد، والأولاد سوف يتأخرون عن المدرسة. وخرجت أيضا دون أن يعيرها وجه الكلب اهتماما.
لم يخرج وعاد إلى تلك المصيبة ودوامة الأسئلة تتوالى وسط خوف ورعب من تخيل ماذا يمكن أن يقول عنه الناس في الخارج.
رجعت الزوجة لمرة ثالثة، وقالت ما قالت في السابق، ولكنه استوقفها. توقفي عزيزتي: إن وجهي. قاطعته: ماذا به وجهك؛ كعادتك كل يوم وسيم وجميل وأنفك طويل ورائع، وشفتاك اللتان تأسرانني، عيناك اللتان تسحران السحر، وشعرك آه من شعرك الذي استمتع عندما أتلاعب به.. هيا يا عزيزي: ليس هذا وقت الدلع.. وخرجت.
معقول لا ترى ما أراه؛ وقرر الخروج. جلس على طاولة الطعام بين أبنائه دون أن يستشعر شيئا.
داعب ابنه أحمد: شعرك جميل.
يضحك الولد: أبي بالتأكيد هو جميل، ولكن لن يصل إلى جمال شعرك.. أبي أنت كلما كبرت يصبح شعرك أجمل.
يهز رأسه: شكرا لك ابني العزيز.
صعد السيارة متجها إلى عمله في البنك، ينظر في مرآة السيارة، وهو يكرر خائفا ومرتبكا ”وجه كلب.. وجه كلب“؛ يلتفت يمينا وشمالا، وجحافل الأسئلة تتصارع في عقله، ربما ما لم يره أفراد الأسرة يراه الآخرون لتبدأ السخرية والضحك ويمتد الأمر للاستهزاء.. هز رأسه وتساءل متى تتوقف الأسئلة: ماذا حصل؟ كيف حصل؟ متى حصل؟ وووو؟.
وصل مكان العمل، لا شيء، الأمر طبيعي، بدأ طقوسه التوقيع، شرب كوب ماء، الاستعداد لكوب الشاي، فتح جهاز الكمبيوتر استعدادا لاستقبال المراجعين للبنك.
مع بدء دوران العمل وتوافد المراجعين، وصل إليه مراجع كان ينتظره، سأله: أستاذي هل كانت لديك معاملة صحيح؟
هل كان هناك شيء؟
بلى.. لقد نسيت مبلغ 2000 ريال.. تفضل.
شكرا لأمانتك ووفائك. واسمح لي أن أؤكد أن وفاءك مثل وفاء الكلب.. معذرةإذ لا أجيد الكلام المنمق والجميل.. هذا مثل قد تعودنا على استخدامه.
أخذ يتحسس وجهه، وهو يحاول الابتسامة، ويردد ”كلب“؛ وجهي في الصباح رأيته وجه كلب، ولكن زوجتي والأولاد وزملاء العمل والعملاء جميعهم لم يلتفتوا إلى ما رأيته، وها هو عميل الآن يقول لي ”أنت وفي وفاء الكلب“.
رجع البيت وهو أسير التفكير، خائف، النظرات تأتيه من كل جانب خاصة في إشارات المرور، يعتقد أن الجميع ينظر له، وعندما يرى أطفالا يبتسمون مع أهلهم داخل السيارة يعتقد أنه هو المقصود خاصة إذا رفع أحد الأطفال يده ملوحا وضاحكا. ما أن وصل إلى البيت قرر أن يكون السرير هو الهدف دون غداء أو جلوس مع العائلة كالعادة.
الزوجة: هل ستنام دون غداء وجلوس مع الأطفال؟.
نعم يا عزيزتي فأنا متعب؛ ضغط العمل كان اليوم كبيرا.
في الصباح كالعادة يدخل الحمام ينظر للمرآة، يقف متسمرا يتحسس وجهه، وجهه عاد كما كان؛ فرح وضحك وقفز، وغني متحسسا وجهه؛ الخدين، الأنف، الفم، العينين، الأذنين.
دخلت عليه زوجته مسرعة، فجأة صرخت، وهي تضع كلتا يديها على وجهها: وجهك غير طبيعي. ماذا حدث لك؟ وجهك وجه..!.