منازلُ رفيعة
قبل يومين كان لي حديث مع أحد رجال الأعمال، كان يندبُ حظة وينعى نفسه وضيق الحال والكدر الذي يقض منامه ويرافقه دوام الوقت، خصوصاً منذ بدء الأزمة الأقتصادية الأخيرة وما زاد الأمر سؤاً خلال جائحة كورونا... وكان يقلب يديه اسفاً وحسرة ويتمتم بينه وبين نفسه بأني لو حذوت حذو اقران جيلي للعمل بالقطاع الحكومي أو بأحد الشركات الكبرى، لكُنت اليوم اتبطح راحةً بمنزلي وانا أصرف من راتبي التقاعدي، لا ينغص عيشي ولا منامي مكالمات الدائنين، ولا مشاكل الموظفين، ولا الأجراءات الحكومية والإدارية، والالتزامات النظامية الطويلة التي أصبحت في تعاظم وإطراد بشكل خانق جداً لدرجة لا يستطع فيها أرباب الأعمال مجاراتها وفك رموزها والخروج من دهاليزها.. من وزراة الموارد البشرية إلى التأمينات الإجتماعية، وهيئة الزكاة والضريبة، ووزارة التجارة والبلديات والجمارك والداخلية..... وقائمةٌ تطول.. كما وأخذت بنا لأرتفاع تكاليف ومصاريف التشغيل لأكثر من 100% خلال الثلاث سنوات الأخيرفقط، مع بقاء الأسعار على ماهيَ وتقلص الإيرادات وتحول نتيجة الرباح إلى اللون الأحمر السالب.
أخترقت حجاب الثقة في عينيه وربتُ على كتِفهِ متقلداً قول الأمام السجاد في دعائه ”أللَّهُمَّ وَعَبِّدْنِي لَكَ وَلاَ تُفْسِد عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ، َ وأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدَيَّ الْخَيْرَ، وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ، وَهَبْ لِي مَعَالِيَ الاَخْلاَقِ، وَاعْصِمْنِي مِنَ الْفَخْر...“ هل أمعنت النظرفي الغاية من وجودك بهذه الحياة والرسالة المناطة بك لتعمل عليها؟ هل تسائلت عن الدور الذي اختاره لك ربُك؟ - لا تَحسب يا سيدي أقرانك في منزلةٍ عند الله أفضلُ مِنك، فقد حباك الله بكرامةٍ لم يحظوا بها، ومنازل الله الرفيعة لا تُدرك بالنوم والراحة... أكرمك الله حين أجرى للناس الخير على يديك، وتلك لعمري منقبةٌ عظيمة لا يوَّفق لها إلا من بَّر اعماله بنيةٍ صادقة وبقلبٍ سليم. أنت اليوم حول عُنقك حلقات لرزق أكثر من 200 عائلة بمختلف بقاع الأرض، وما فتح الله أبواب رزق هؤلاء البشر من خلالك الا لكرامة خاصة بِكَ عِنده، فطِب نفساً.. وقرّ عيناً.. فما كل هذا الهم والتعب إلا قُرباناً تقدمة لخالقك وكفارةً عن خطاياك لتنال عنده أفضل الكرامة والمنزلة الرفيعة.