آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

أحكم الناس

ياسين آل خليل

كلٌ ينظر إلى النجاح من زاويته الخاصة. ففي الوقت الذي ترى فيه نجاحك عبر تسلق السلّم الوظيفي والوصول إلى منصب مرموق في المؤسسة أو الشركة التي تعمل فيها، يرى آخر نجاحه من خلال تمتعه بحُرية مالية بعيدًا عن المُرَتب الشهري المُعَرّض في جميع الأوقات إلى نوائب السماء وتحولات الأرض، لينتهي مُمزقًا كالعصف المأكول.

إذا كان نظرك دائمًا مُرَكّزًا على ما حققه الآخرين وما يمتلكونه من إمكانيات، فمن الطبيعي أن تشعر بالدونية وتتعامى عما لديك من جدارة وقدرة وأهلية..! طريقتك في المشي على خطى الآخرين لن توصلك إلى منتهى مبتغاك، لأنه دائمًا وأبدًا سيكون هناك من هو أكثر منك جرأة وقابلية في التفوق عليك، وسيبقى هذا التفاوت يقلقك إلى أن تغير من ذاتك وتطوعها لتخدم تطلعاتك الآنية والمستقبلية.

أنا لست هنا في موقع من يجعلك تشعر بأنك لست أهلاً لأن تتميز في شيئ، لكنني أنبهك بأن التفوق في كل شيءٍ، قد يكون ضربًا من الخيال. دعني أوضح أمرًا هو في غاية الأهمية والخطورة. إنسان اليوم عليه أن يتحلى بالصبر والوعي الذاتي، مُتَصفا بنظرة واسعة وشاملة وقدرةٍ على حل المشكلات، بالإضافة إلى كونه صادقا مع نفسه متقبلا لواقعه، حكيمًا في مُجمل تصرفاته، هذا إذا ما أراد أن يكون في طليعة من حوله من الناس المتفوقين.

عليك أن تتقبل واقع أنك لا تستطيع إتقان كل شيء. فإن تميزت في شيءٍ، يبقى هناك الكثير من الأمور التي تجهلها، وإن حصلت على أعلى المراتب العلمية. في النهاية أنت بشر كغيرك من الناس، ذو قدرات محدودة، تصيب وتخطئ وتنجح وتفشل. أن تضع كل هذا في الحسبان لا يجعلك تندب حظك، أو تتذمر. تقبل حقيقة أنه لا يمكن بأي حال أن يكون جميع الناس عظماء.. ما بالك في كل شيء..!

بغض النظر الى ما وصلوا اليه من نجاح أو ثراء أو شهرة، لا غرابة أن يشهد العالم الكثير من التعيسين. بكل بساطة هؤلاء الناس كبروا على مفاهيم خاطئة كثيرة، من بينها مفهوم أن قيمتهم بحاجة الى إثبات في هذا العالم. أمّا إيليا أبو ماضي، الشاعر اللبنانى وأحد أعمدة شعراء المهجر فقد وضع النقاط على الحروف:

أحكم الناس في الحياة أُناس

عللّوها فأحسنوا التعليلا

فتمتع بالصبح ما دمت فيه

لا تخف أن يزول حتى يزولا

وإذا ما أظل رأسك همّ

قصر البحث فيه كيلا يطولا

إذا كانت تلك هي أول تجربة تخفق فيها ولم تتمكن من العثور على شغفك، فهذا لا يدعوك أن تتوقف. اذهب من جديد وابحث عن ذلك العشق بداخلك. حدسك لن يخيبك هذه المرة. لكن أولاً وقبل كل شيء ارسم لنفس خارطة طريق توصلك بسلام الى كنزك المفقود. عليك أن تكون حكيما وصادقًا في كل حركة تقوم بها حتى لا ينتهي بك المطاف إلى الإخفاق مرة أخرى.

احتذي بهذه العادة واجعلها جزءا لا يتجزأ من أسلوب حياتك اليومي. العديد من الأشخاص يجيدون التفكير في جوانب معينة من الحياة. لسوء المنقلب، قد يجد هؤلاء الناس صعوبة في توظيف هذه الأداة في مجالات أخرى ليست مألوفة لديهم أو أنهم بالكاد ينتمون إليها. بعد مرور وقت قصير يكتشف هؤلاء أنهم قد وقعوا في كمين من الرمال المتحركة التي يصعب الخروج منها بسهولة ويسر.