والمِثاليَّاتُ للمثاليين!
بينما كُنتُ أتصفح العدد الماضي من صحيفة ”جود نيوز الكندية“؛ استوقفتني الصفحة العاشرة بمادةٍ عنوانها: ”مواصفات المرأة المثالية“، ورغم عدم اهتمامي بأن أكون امرأة مثالية لأن الأمر لا جدوى منه ولا يُقدم ولا يؤخر في حياة الكائن الأنثوي هذه الأيام؛ إلا أنني قررتُ التسكع ببصري بين تلك المواصفات لعل رب العالمين يفتح علي بمعلومةٍ ما كُنتُ أعلمها وبها أستفيدُ ثم أنقلها إلى غيري واُفيد.
تُشيرُ تلك المادة إلى أن استطلاع رأيٍ أُجري بين جماعةٍ من الرجال قد أسفَر عن اكتشاف صفات المرأة التي يعتبرونها ”مثالية“، وما كان مني حين قرأتُ تلكَ الصفات إلا أن شعرتُ أنني أعيشُ حُلمًا رومانسيًا أنيقًا بين ديكورات أحد أفلام الأسود والأبيض! لأن صدمات العصر الحديث ومُتطلباته من النساء على هذا الكوكب لها حساباتٌ أخرى في تكوين شخصية المرأة!
يذكر الاستطلاع أن من صفات المرأة المثالية «أن تتميز بالرقة والضعف الإنساني الجميل الذي يُبرز أنوثتها»، ومن الواضح أن الرجال الطيبين الذين أجابوا بهذا الجواب لا يعلمون أن المرأة في مُجتمعاتنا العربية تتمنى أن تعيش ”رقَّتها“ بسلام، لكن لا يسعها ذلك لأن تلك الرقة وذاك الضعف سيتم اعتبارهما بطاقتي دعوة للمفترسين والمُتوحشين ممن سيرون فيها فرسية سهلةً مُغفلة يجب المُسارعة باصطيادها واستغبائها! ثم يستطرد الاستطلاع: «والمرأةُ الذكية هي التي تُشعِر الرجُل أنها أقل منه بحرف أو بكلمة، وأنه قائدها في الحياة، وشريكها الذكي، فإن هذا التصرف الذكي يجعل الرجُل يشعر أنه قُبطان الباخرة والمسؤول عنها»؛ هُنا خرجت شخصية ”عبلة كامل“ من أعماقي قائلة بملل: ”كان على عيني يا خويا.. جربنا وما نفِعش ومهما نعمِل مش نافع..“، لو تم إجراء استطلاع بين النساء بشأن تلك النصيحة سيكون جواب أكثرهن أنهن جرَّبن إشعار الرجُل في حياتهن أنهن أقل منه بحرف، ثم بكلمة، ثم بجُملة، ثم بقصيدة، ثم بجريدة، ثم بكتابٍ كامل، ثم بعشرين مُجلد دون جدوى أو فائدة، فلا هو شعر أنه قبطان باخرة الأسرة، ولا هو أدرك دوره في أهمية تحمُّل مسؤوليتها!
ثم يوغل الاستطلاع في نصائحه الطريفة قائلاً: «أن تكون قوية الشخصية؛ فلا تكون مُتأرجحة الأفكار مُترددة»، هنا يتضح لنا أن أولئك الرجال الطيبين لا يُدركون حجم القمع لآراء وخيارات الأنثى منذ طفولتها في أسرتها العربية، وإنسانة لا يحق لها أن تُفكر وتختار وتُقرر بحُرية منذ الصغر من الطبيعي أن تكبر وهي عاجزة عن اتخاذ قراراتٍ جريئةٍ باتِرة! ثم نصل إلى صفة «أن تتمتع بنفسية متوازنة وعقلية ناقدة»؛ ولا ندري من أين يُمكن لتلك المسكينة التمتع بنفسية متوازنة في تلك البيئة المليئة بالمخبولين والمجانين، ثم هل يتمتع الرجل في حياتها أصلاً بنفسية متوازنة كي تمتاز هي بتلك النفسية! ثم ينصحها الاستطلاع بأن «تهتم بأناقتها، وتهتم بثقافتها، وتتسم بالعُمق فلا تأخذ الأمور بسطحية»، هذا على أساس أن الرجال في مُجتمعات تلك المرأة المسكينة يهتمون بأناقتهم وثقافتهم ويتسمون بالعُمق والذكاء النافذ!! منذ متى والرجل في هذا المُجتمع ”جورج كلوني“ كي تُصبح المرأة لأجله ”أمل علم الدين“؟! لا يُصلي المُصلي إلا طمعًا بالمغفرة، ولا يعمل العامل إلا رجاء الثواب، فليكُن الرجُل ”رُشدي أباظة“ كي تُصبح المرأة لأجله ”سامية جمال“.