أسماء الأماكن القديمة بين التغيير وضياع الهوية
تتعرض الأسماء القديمة للمناطق والسواحل وحتى الأسماء المكتوبة للبوفيهات والمطاعم في البلاد إلى تغييرات قد تمر بلا اعتراض، لكن دلالاتها التاريخية المهمة سوف لن يعرفها الجيل الجديد، بسبب عدم وجود رابطاً تأريخياً بين الحديث والقديم لتعريف الأجيال عن تلك الأسماء والأحوال المعيشية للأزمنة التي مرت بها البلاد.
معالم الحياة قد تتغير مع الزمن وينعكس هذا التغيير على ضياع التأريخ القديم الذي كان يعيشه الناس في حال لم يتم حفظه والعناية به وتعريف الأجيال الحديثة عليه، وإن أسماء الأماكن الحقيقية تسهم بدور كبير في التعريف بأحوال البيئات القديمة وتوثيق وجودها وامتدادها عبر الأزمنة، وتصوير حالة البيئات وما فيها وعلاقة ذلك بالنشاط البشري فيها.
محافظة القطيف وقراها صاحبة الحضارة والتأريخ التي تتلألأ على ضفاف الخليج العربي في الجهة الشرقية من جبين الوطن الغالي، كانت عبارة عن واحةً غناء تحيطها النخيل والأشجار المنتشرة في بساتينها ومزارعها التي كانت تربطها طرق صغيرة بينها وبين قراها المتلاصقة من صفوى شمالاً إلى سيهات جنوباً ومن الأوجام غرباً إلى جزيرة تاروت شرقاً، وكل بستان أو مزرعة لها اسماً تأريخياً توارثته الأجيال جيل بعد جيل، ويمكن معرفة المناخ القديم وأنواع النباتات ومصادر المياه في تلك المزارع والبساتين من خلال دراسة أسماء الأماكن ومدلولاتها.
في الجهة الشمالية من بلدتي جزيرة تاروت تقع بلدة الزور التي تطل على مصفاة راس تنورة، وعليها يمتد ساحلها ”ساحل الزور“ ذلك الساحل الجميل بطبيعته وتظاريسه وهواءه العليل، كان من المواقع الساحلية الجميلة التي تحتضنها جزيرة تاروت، حيث كان يتميز بالتكوينات الرملية المرتفعة، ووجود الخلجان التي تنمو عليها أشجار المنجروف الملاذ الآمن لعدد من الطيور المختلفة منها: طيور النورس، والخرشنة وغيرها، التي تأتي بحثا عن الغذاء والهدوء أثناء هجرتها للمناطق الشتوية وفيه مختلف أنواع السلاحف.
للأسف بين عشية وضحاها تحول ذلك الساحل الجميل ”ساحل الزور“ إلى وحدات سكنية..!! وكم كنا نتمنى أن لا يكون كذلك ويضل كما هو ساحلاً جميلاً متنفساً لأهالي جزيرة تاروت من الجهة الشمالية، لكنه كما قال المتنبي في روائع شعره ”تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ“ فتلك الرياح جرت قبله على عشرات المزارع والبساتين وحُوِلَتْ إلى وحدات سكنية وغُيرَت أسمائها الأصلية فضاعت هويتها منها: بستان عين أم عريش، وبستان مسجد الخضر، ونخل البقعاوي، ومزرعة الكويتي وغيرها من المزارع والبساتين.
تغيير الأسماء الأصلية للمزارع والبساتين والسواحل في البلاد بعد تحويلها إلى أراضي سكنية هو من أغرب الأمور، ويعتبر الإبقاء على الأسماء التأريخية القديمة لمناطق وقرى وطرق وشوارع محافظة القطيف، وحتى المزارع والبساتين والعيون الجوفيه والإرتوازية والمعالم الأثرية هو حق من حقوق المحافظة وأهلها ليكون رابطاً بين القديم والحديث، فلا يجب تغييرها أو تحريفها وإبدالها بأسماء قد تكون رنانه في الآذان ولكنها فاقدة للهوية التاريخية والأثرية لتلك القريه أو ذاك الشارع أو ذلك المعلم.
لا يزال هناك متسعاً من الوقت لدى بعض المخضرمين من الفنانين والرسامين ومن العامة الذين عاشوا حقبة ما قبل الطفرة العمرانية وحقبة ما بعدها، والكثير منهم عارفون بأسماء تلك الأماكن معرفة تامة، مما يستوجب عليهم العمل على استذكار وترسيخ اسماء تلك المناطق القديمة في عقول وقلوب الأجيال الحديثه من خلال رسم خارطة للمخططات السكنية الحديثه، والمعالم الأثرية والشوارع والعيون والمزارع والبساتين التي غُيِرَت أسمائها، وضرورة تسميتها بأسمائها التاريخية القديمه التي تعارف الناس عليها.
ختاماً إن تغيير الأسماء القديمة للمزارع والبساتين والسواحل في البلاد سوف يلغي دلالاتها الجغرافية والتاريخية واللغوية، وسوف يفقدها رابطاً مع التأريخ وشظف العيش في الأزمنة التي مرت بها، من هنا لا بذا من تخليد الاسم القديم وإعادة تسمية المخططات السكنية التي أنشئت حديثاً، إلى أسمائها الأصليه لإبراز الوجه التأريخي والأثري والهوية الحضارية لتلك الأماكن والمنطقة.