ظلي الذي رحل
وقفت حائراً لم يصدّق الخبر الذي سمعته ووصل إليه كنت نائماً في ضحى اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان ليتصل بي أحد الأقارب أنه ابن الخالة؛ ليقول هل أنت في البيت وهو ليس من عادته أن يتصل في مثل هذا الوقت، قال: أنا لدى الباب أنزل من فضلك.
أخذتني الريبة وداخلني شعور بأنه هناك أمر «ما» مهم وطارئ قد حدث، وما إن فتحت الباب ورأيت عيناه قد اغرورقت بالدموع حتى قلت له مباشرة لقد مات أبو أحمد أليس كذلك، فتعانقنا وبكينا طويلاً.
هذا الصديق العزيز المخلص «زهير علي المحمد علي - أبو أحمد» الذي قضيت معه أكثر من عشرين عاماً من حياتي والتي كانت خلاصة عمري الثقافي والأدبي فمن خلال العلاقة معه كانت انطلاقتي الحقيقية إلى عالم القراءة والكتابة والتأليف والسفريات الثقافية إلى معرض الكتاب والمكتبات وجلب الكتب وشراءها من مدن ومناطق ودول شتى «الدمام - القطيف - سيهات - الرياض - جدة - البحرين - الشارقة - دبي - الكويت...» هذا بخلاف مدن وقرى الاحساء الحبيبة هذا الصديق الذي كان مصداقاً للصديق الوفي والذي يستحق وينطبق عليه قول الشاعر: -
عاشر أناساً بالذكاء تميزوا... واختر صديقك من ذوي الأخلاق [1]
فكان رحم الله نعم الصديق الصابر الصبور المكافح المؤمن المثقف.
فكم صادفنا من الصعاب في لقاءاتنا في حلنا وترحالنا فرأيته صابراً جلداً لا يتأفف كثيراً فلو على سبيل المثال حصل صعوبات في فسح الكتب التي نجلبها من خارج المملكة ربما أملُّ أحياناً وأقول له اتركها فلا يقبل ويواصل المراجعة للإعلام والجمارك إلى أن يسترجعها أو أغلبها في كثير من الأحيان.
وهذا عين الكفاح في سبيل الوصول إلى المبتغى وعدم اليأس والاستسلام، وكما كان صبوراً كان كتوماً لا يفصح بقضاياه الخاصة والأسرية مهما صعبت ويحاول أن يحلها ويتداركها مع الطرف الآخر دون أن يكلف الآخرين أو يزعجهم على حد وصفه كما قال ذلك بنفسه «رحمه الله».
ولو أردت أن استعرض صفات هذا الرجل فلا يفوتني أن أعدّ صفة الإيمان والحرص على أداء الواجبات التي كلفّه ربه سبحانه بها فسواء كنّا في الاحساء أو غيرها كان حريصاً على أداء الصلاة في المسجد فكم من مسجد عرفته بسببه وكذلك لو حدث واجتمعنا في يوم فيه مناسبة لأهل البيت فكان يتوجه لحضور تلك المناسبة في الحسينيات سواء في شهر محرم أو غيره ولا أنسى حضورنا في مأتم سنابس في مملكة البحرين وحسينية الناصر في سيهات وحسينية السنان في القطيف.. وغيرها
ونقف عند المحطة الأخيرة من صفاته فقد قلنا أنه كان مثقفاً وهو ليس مثقفاً عادياً فحسب بل هو مثقفاً من الطراز الأول وهذا ما صنع منه رجلاً مثابراً محباً للكتاب فلا يسمع بكتاب جديد صدر إلا ويحاول اقتناءه من أي جهة أو أي مكتبة أو أي مكان وهذا ما جعل مكتبته الخاصة تضم زهاء أكثر من خمسة عشر ألف كتاب.
وهو ليس بالقارئ فحسب بل نهم في قراءته وعلاوة على ذلك هو كاتب أيضاً فقد بدء يكتب في الصحف المحلية والخليجية في حدود عام 1424 هـ ، وقد كتب في صحيفة الوطن واليوم كما كتب في مجلة العربي الكويتية وغيرها.
ثم اتجه إلى التأليف وأول كتاب صدر له مجموعة قصصية بعنوان «رسائل خاوية وقصص أخرى» بمشاركة إحدى قريناته وكان ذلك عام 1436 هـ ، عن دار الرافدين بلبنان، ثم ألحقه بكتابه «اعتدال السيرة والمسيرة» في العام نفسه وطباعة وتوزيع نفس الدار المذكورة وهو يتحدث عن سيرة ومسيرة الأديبة الشاعرة اعتدال الذكر الله.
وفي العام 1439 هـ ، أصدر كتابه الأخير «آية الله المجدد الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي، جولة في الفكر وترانيم الوداع» والذي يعد الإصدار الأول لمركز آية الله الفضلي للدراسات والبحوث.
وهكذا جمعتني العلاقة الطيبة بهذا الرجل المؤمن المثقف أكثر من عشرين عاماً كما أسلفت، يجمعنا الود والمحبة إلى أن لبى نداء ربه في يوم السبت السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1442 هـ الموافق لثامن من شهر مايو لعام 2021م، ودفن في مقابر حي الفاضلية بمدينة الهفوف في يوم الأحد، فرحمه الله رحم الأبرار وحشره مع من والى وهم محمد وآله الأطهار وجمع بيننا وبينه في مستقر رحمته وفسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.