آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

مبنى سوق الخضار الجديد بالقطيف «كي لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»

زكي أبو السعود *

تحديث مبان النفع العام بما يتوافق مع مستجدات البناء العصري والوسائل الحديثة المستخدمة حاليا في بناء هذه الأماكن بقدر ما هي تنهي الملامح القديمة والبساطة في نمط العيش، إلا أنها تسهل حياة الناس وتمنحهم الإمكانية في تكيفهم مع يناسب ظروف العصر والتغييرات التي عصفت بنا، بما في ذلك التغييرات المناخية التي من أثارها ارتفاع درجة حرارة الأرض، وما ألم ببلادنا من تناقص في كمية الأمطار وزيادة في التصحر، وجعل فصل الصيف أكثر طولاً وبدرجات حرارة عالية لم يسبق أن شهدناها من قبل.

ومن هذه المشاريع التي ينتظر أهالي محافظة القطيف إنجازها مبنى سوق الخضار المركزي في القطيف، والذي من المحتمل اكتماله خلال الأشهر القادمة.

والجميع يتوقع أن تكون الوسائل العصرية المتبعة في بناء مثل هذه ”الأسواق“ قد استخدمت واعتمد عليها في إنجاز هذا المبنى، والذي من المفترض أيضاً أن يحافظ على خاصية هذه ”السوق“ ليس فقط في عرضها اليومي لمنتجات القطيف الزراعية، وأنما في كون جميع باعتها «وهم كلهم باعة بالمفرق» وأغلبية العاملين فيها هم من أبناء المحافظة، الذين ليس لهم من مصدر رزق غير العمل فيها.

فهناك من امضي معظم سنين عمره يعمل فيها، وهناك الشاب الذي وجد في السوق مجالاً للكسب الشريف. وأغلبيتهم يأمل في أن تستمر ”السوق“ وتحافظ على طابعها المتوارث عبر السنين، رغم تقلص عدد الباعة واختفاء النساء اللاتي كن يعرضن منتجات مزارعهم الصغيرة في السلال الصغيرة «القفيف»، كما كانت تفعل بعض النساء في بيع أنواعاً معينة من الأسماك الذي كان يصطادوه ”رجالهم“ حينما كان البحر قريباً وسواحله الغنية بأشجار القرم مرتعا للأسماك والروبيان، والتي قضت عليها حملات الدفن الجائرة، فحرمت بعض الأسر من مصدر رزق كان يساعدهم على مواجهة تكاليف العيش المتضخمة عام بعد عام.

لا خلاف على أن الحياة تغيرت وانفتحت مصادر رزق جديدة ساعد التعليم على توفرها، وكثير من هذه الأسر توقفت عن مهنها التقليدية القديمة، فلم يعد هناك صيادون يولجون البحر على عرباتهم ويجمعون الأسماك من مصائدها «الحضور» القريبة أو يصطادونها بشباكهم «الغزل» ويرجعون بها قبيل الصباح ليباع طازجاً في سوق بسيطة تقفل أبوابها قبيل آذان الظهر، ولا نساء يبعن ما باضت بها دجاجتهن في ذاك اليوم، وبعضاً من الكزبرة أو الكرفس أو الفجل المحلي «الرويد» المقطوف بعيد صلاة الفجر، إلا أن سوق الخضار في القطيف كما هي سوق السمك بالرغم من ذلك لا زالتا محتفظتين بخاصيتهما في ”سعوديتهما“ التي أتت تلقائيا ودون تدخل رسمي.

إن الحفاظ على هذه الخاصية ومنعها من التلاشي يتطلب تقديم العون لهؤلاء الباعة عبر الاستمرار في جعل العمل في هذه ”السوق“ جاذباً وليس طارداً، وعلى الجهات الحكومية كالبلدية والتجارة والموارد البشرية إزالة كل ما يتسبب في خروج هؤلاء الباعة من هذه السوق، وفي مقدمة ذلك الرسوم والإيجارات التي تتقاضها هذه الوزارات من هؤلاء الباعة، والنظر إليهم بنفس منظار توطين الوظائف واعتبار مجال نشاطهم مصدر «ولو صغير وبسيط» لخلق وظائف جديدة يستحق الدعم والتأييد.

ينتظر أهالي القطيف الانتهاء من هذا المبنى لأن الجميع باعة ومتسوقين يأملون في أن يوفر لهم الآمان والاطمئنان في البيع والشراء. فمن جهة أن يكون المبنى مغلقاً ومبرداً بمكيفات الهواء سيساعد على بقاء المعروضات طازجة ويقلل من تلفها، ويجذب المشترين للتبضع في هذه السوق بدلاً من الذهاب إلى الأسواق المركزية وغيرها من محلات بيع الخضار والفواكه لانخفاض أسعارها وتعدد معروضاتها مقارنة بالأماكن المنافسة الأخرى. كما أن النظافة ونقاء المكان سيكون له أثره في تنوع المرتادين على السوق، وعدم اقتصاره على شريحة محددة من المتسوقين.

هناك تحديات عدة تواجه هؤلاء الباعة وتؤثر على استمراريتهم في ”السوق“. وفي مقدمتها رسوم البلدية وتكاليف تشغيل المحل.

خلال السنوات الماضية لم تشكل رسوم الإيجار البسيطة والرمزية المحصلة من البلدية عبئاً على هؤلاء الباعة، بينما ينتابهم القلق في الوقت الحاضر من انه سيتم إجبارهم على أغلاق محلاتهم الحالية والانتقال للمبنى الجديد، وأن الإيجارات لن تكون كما هي عليه اليوم.

إن سوق الخضار وغيرها من الأسواق المتخصصة «باعتبارها مبان نفع عامة» تقوم البلدية بتوفيرها لمن يملك ترخيصاً مقابل رسوم رمزية ليس امرأً غير مألوف، وأنما هو من صميم مهامها المجتمعية، بل أن تطويرها وتحفيز الأهالي على العمل فيها والاستفادة من خدماتها والحفاظ عليها يأتي في سياق المهام العامة للبلديات.

ومن هذا المنطلق فأن العمل على احتفاظ' هذه ”السوق“ بمحليتها «المنبثقة من وطنيتها» يأتي متوافقاً مع هذه المهمة المجتمعية، ويفترض تجنب أي أجراء قد يخل بذلك. لذا فأن أي تغيير في هذه الترتيبات أو في لائحة الإيجارات حين الانتقال للمبني الجديد سيكون له تبعياته السلبية على وضعية السوق، وسيدفع بكثير من هؤلاء الباعة للخروج منها لعدم قدرتهم على تحمل أعباء مالية جديدة، وأن من سيبقى منهم سيحاول تغطية ارتفاع تكاليف المحل من خلال رفعه لأسعار بضائعه، وهو ما سيفقده قدرته التنافسية الراهنة، وسيؤثر من جهة أخرى على القدرة الشرائية لإصحاب الدخول المنخفضة التي كانت تجد في ما يعرض في هذه السوق من خضار وفواكه ما يتناسب مع مدخولها. وبالإضافة إلى كل ذلك لن يكون مستبعدا أن نجد صوراً جديدة للتستر التجاري ورؤية باعة غير سعوديين تحت واجهة انهم عمال لدى صاحب المحل المتستر عليهم «وهو ما يتم الكشف عنه بين الحين والآخر من قبل مفتشي وزارة التجارة في أسواق مشابهة».

إن التعامل مع محلات «دكاكين» المبنى الجديد كما لو أنها محلات استثمارية عالية الدخل على حساب المنفعة المجتمعية أمر يجب أن لا يُسمح به من قبل مسؤولي البلدية وكل أصحاب القرار محلياً ومركزياً، وأن أي تغيير في مقدار الإيجارات يجب أن يخضع للمراجعة والتمعن من قبل إدارة بلدية محافظة القطيف ومجلسها البلدي ووضع المنفعة العامة لسكان المحافظة بشكل عام وللعاملين في هذه ”السوق“ بشكل خاص. والله الموفق.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
زكي ابوالسعود
[ القطيف ]: 18 / 6 / 2021م - 12:40 م
كيف اعرف اذا كان هناك تعليق على المقال؟
بكالوريوس في القانون الدولي، ودبلوم علوم مصرفية. مصرفي سابق، تولى عدة مناصب تنفيذية، آخرها المدير العام الإقليمي…