تمكين الكفاءات في ظل الخصخصة
القيادة هي القدرة على تحريك الناس نحو الهدف، ويعد الإحلال الوظيفي للقيادات من التحديات في المنظمات، التي تواجه القصور في تطبيق النظام المؤسسي ومبادئ الحوكمة سواء كان في القطاع العام أو الخاص أو في مؤسسات المجتمع المدني، لكونها لم تتحرر من نظريات الإدارة التقليدية حين يرتبط نجاح المنظمة بالقائد وتنهار بعده.
فنظرية القائد العظيم في الإدارة التقليدية تعزز من القائد والأتباع، الذي ينتهي دورهم بتغييره ليتم إحلالهم بفريق «تابع» للقائد الجديد، هذه النظرية الإدارية السائدة ليست سيئة وهي فعالة في مقاومة التغيير.
ولكن من عيوب هذه النظرية الإدارية أنها نظام غير مستدام مؤسسيا، ويتعارض مع الأنظمة الحديثة في الإدارة وتطبيق الجودة المؤسسية والحوكمة، بل ويؤصل من الفساد المالي والإداري حين يكون استقطاب الأتباع مبنيا على معايير غير واضحة إلا بأنها تقرب وتقصي بالمجاملات والولاءات الشخصية مهما كانت كفاءتها واحتياج المنظمة.
اهتمت الرؤية الوطنية وبرامج التحول الوطني 2020 بتمكين الكفاءات وإعداد قيادات الصفين الثاني والثالث، ومن ذلك تمت دراسة الأنظمة واللوائح ذات العلاقة للخروج بتوصيات عملية كي تمكّن الأكفاء وتسرّع من مسارهم الوظيفي إلى المناصب القيادية، وذلك عبر تنظيم البيئة التنظيمية والاجتماعية والمعرفية، وكانت الخصخصة أحد تلك السبل للتمهيد إلى التعاقب والإحلال الوظيفي المتوازن.
وتبدأ برامج إعداد القادة بتفعيل آليات اكتشاف القيادات الواعدة وتصميم وتنفيذ البرامج القيادية الملائمة لاحتياج المنظمة بما يدعم الإحلال الوظيفي، وتستمر عبر مراحل تبدأ من التأهيل وتصقل بالممارسة والتدريب المستمر والتجارب والتقييم حتى يكون الموظف كفأ وقويا أمينا، وللاستفادة من هذه الكفاءات، التي تم صقلها فلا بد من توجيهها للمكان المناسب لها عند استقطابها أو تكليفها بمهام وفق جداراتها وقدراتها.
وعلى الميزات التي خلقتها الرؤية في رفع سقف الطموحات لتكون عنان السماء كما قال سيدي سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، إلا أن البعض قلص مفهوم القيادة بربطها بمسميات المناصب فقط، متغافلين بأن المناصب هي مرحلة في رحلة الحياة وأنها لو دامت لمَنْ تقلدها لما آلت لغيره، وإن الشغف الذي عناه سموه بحديثه الأخير قرنه مع الكفاءة، وليس الشغف إلى الوصول للمناصب الوظيفية القيادية بطرق ملتوية وبإزاحة المنافسين وتهميش الكفاءات، وبناء الولاءات الشخصية على حساب الولاء للمنظمة، وهذه الأساليب تستنفد طاقة القيادي للبقاء على الكرسي، وفي تسويق ذاته بأكثر من تطوير ذاته وتطوير عمله.
نأمل أن تلتفت الخصخصة إلى تمكين الكفاءات وتأكيد التعاقب الوظيفي وفق معايير تشجع العمل بتنافسية لا إقصائية، ومن خلال تعزيز روح وقيم الفريق حتى لا يكون الولاء لمَنْ يملك قرار الوظيفة وميزاتها وليس لمَنْ ائتمنهم عليها.
وكانت نزاهة بدعم من القيادة الرشيدة هي البداية، وليستدام أثرها، فتغيير الثقافة القيادية يبدأ برأس الهرم المؤسسي وأصحاب القرار فيه، وتفعيل المشاريع التي تتطلب تبادل الأدوار القيادية بناء على التخصص والخبرة، التي تعزز من روح الفريق وتناقل المعلومات بين الخبرات المختلفة.
وأن المناصب دوارة وهي تكليف للكفء وليست الغاية والوصول لها يتطلب البذل الوظيفي والتطوير المستمر.
وفي ظل الاهتمام بتمكين المرأة والقيادات الشابة في المناصب المهمة، فالتأهيل مع الخبرة والاستفادة من الخبرات التراكمية للسابقين لا ينبغي إغفالها مع تأكيد قدراتهم الإبداعية والابتكارية وحل المشكلات والتواصل الفعال، والنزاهة وتحمل ضغوطات العمل سعيا لتطبيق القيادة الرشيدة في حوكمة التحول الوطني.