آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

الشماسي.. رجل النظرة الثاقبة، والحكمة النافذة

تقي اليوسف

﴿الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون..

عظم لنا ولكم الاجر جميعاً أيها الأحبة في فقدنا لهذا الإنسان العملاق الرصين، والقائد الاجتماعي الصادق الأمين..

المهندس عباس الشماسي ذلك الانسان الرائع الجميل الهادئ المفعم بالحيوية، بل هو من يمد الحيوية الحركة ويجعلها تنتشي بهمته التي لا تهدأ ما دامت في سبيل خدمة مجتمعه ووطنه..

فاجئني وأحزنني تلقي خبر وفاته، وهو في أوج عطائه وحاجتنا لوجود أمثاله من القادة والنشطاء الحكماء، وأصحاب المواقف والرؤى التي تفتخر بها أرض القطيف..

رجلٌ قل نظيره في نظرته الثاقبة وحكمته النافذة التي جعلت للعمل الاجتماعي وزناً، ومنحته أطراً متجددة من خلال مسيرته ومشاركاته الإدارية والإشرافية المتعددة في مواقع الخدمة الاجتماعية سواء في الجمعية او المجلس البلدي وغيره..

ثقلٌ لا يُستهان به بين رجالات منطقة القطيف ومفخرة من مفاخرنا التي نعتز بها وستظل ذكراه ماثلة أمامنا في كل نواحي الأنشطة الاجتماعية التي ستقام بعد فقده رحمه الله..

ولا يسايرني أدنى شك في أن ميراث الحب الذي خلفه بعد فقده في قلوب الناس أقارب وأباعد، أغنياء وفقراء، علماء ومثقفين، لهو أكبر دليل على أنه بوتقة من الخير والعلاقة الحسنة مع الناس يتشرف بها كل من عاشره والتقى به من بعيد أو قريب - فعليك ملايين الرحمات يا أخونا الأكبر الغالي وأقر الله عينك بما وعدك الله من الجنة التي أعدها للمتقين أمثالك الذين سعوا في خدمة الناس فكان سعيهم مشكورا..

تعرفت على المهندس عباس «رحمه الله» قبل حوالي 20 سنة حين كنت سكرتيراً للجنة التأهيل والتوظيف بجمعية سيهات الحبيبة برئاسة المهندس قاسم الصيود، وكنا حينها نقيم ملتقيات للتوظيف بمشاركة لجان التوظيف التابعة لجمعيات المحافظة بما فيها جمعية القطيف الرائدة.. حيث سيقام ملتقى للتوظيف فيها، وعلينا جميعاً كلجان أن نتعاون لتجهيزاته وترتيباته الفنية والسكرتارية، فكان عملنا على قدم وساق وبشكل منظم جميل، وكنا نلحظ شخص ما يبادلنا الملاطفة والكلام الطيب والمحفز، وبكل تواضع يربت على أكتافنا ويتحدث الينا وكأنه واحد منا لم نلحظه ابدأ أنه يحدثنا من منظور كونه رئيس أو وجيه أو ثري أو أنه شخصية ذات مستوى راق من طبقة معينة، فعرَّفنا عليه الأخ العزيز رفيق درب العمل الاجتماعي الأستاذ/ زكي العبدالجبار بأن هذا رئيس مجلس إدارة جمعية القطيف المهندس عباس الشماسي، قلت في نفسي ما شاء الله هنيئاً لكم بهكذا رئيس ابتسامته تكفي لأن يلهب في من حوله روح العمل والإنجاز، فما بالك بكلامه الذي يرطب القلوب وتواضعه الذي يبهج النفوس..

التقيته بتلك الروح الأبوية الحانية، والنَفَس القيادي المتزن الذي يزرع فيك الشعور بالثقة والسعادة، ووالله لأني أحببته من أول لقاء واحترمته وأجللته وأكبرته من خلال كلامه الرطب الجميل وابتسامته العريضة الرائعة المحفزة لنا كشباب هدفنا الخدمة الاجتماعية وبذل الجهد من أجل أن ينجح الملتقى الذي نحن عازمون عليه،، فكان يقول لنا: الجمعية جمعيتكم يا شباب وكل الغرف هي متاحة لكم حتى غرفة إدارة الجمعية مفتوحة لكم، الله يعطيكم الصحة والعافية.. وأي شيء تحتاجونه الجماعة ما بيقصروا معاكم ابداً وانا بخدمتكم في أي وقت..

وكان يغدق علينا بكرم عطائه المادي والمعنوي، وأقولها بحق بأنه قائد استثنائي بكل ما للكلمة من المعنى، وأنا بشكل خاص وجدت منه اهتمام كناشط اجتماعي مستجد على ساحة العمل ضمن الجمعيات الخيرية الرسمية، حيث أثنى على دوري في العمل السكرتاري الذي قدمته وأثنى على مقترحي بعمل موقع الكتروني مشترك بين لجان التوظيف بمحافظة القطيف على الانترنت تتضمن قاعدة بيانات بالعاطلين، ويكون لكل لجنة «جمعية» اسم مستخدم وباس وورد خاص بها تستطيع النفاد والعمل من موقعها، فقال لي ممتدحاً: سيدنا فكرتكم رائدة ومفيدة جداً أتمنى أن تعملوا على تنفيذها مع الأخوة، ونحن بالخدمة أي حاجة تحتاجوها، واعتبر جمعية القطيف جمعيتك، ومجلس الإدارة بخدمة أي أفكار تطويرية تطرحها، ولو أننا في اجتماع مجلس إدارة وأردت الدخول علينا والحضور معنا فاعتبر نفسك واحدا منا.. فألف شكر لك أيها الانسان الجميل وناثر الورد وناشر الطيب وزارع الخير والثقة في نفوسنا كشباب نحتاج الى التشجيع والتحفيز والدعم لننهض بالأعمال التطوعية والاجتماعية وتطويرها لتتكامل مع رؤيا الخير والنماء 2030..

وتوالت المواقف واللقاءات الجميلة معه على مدى السنوات الماضية، ولأن أعمال الإنسان الطيبة هي ما تثبت سيرته الحسنة الجميلة بين الناس فلا غرو أن اذكر لكم موقفه الأجمل معي بعد أن أصبحت ناشط اجتماعي مستقبل وأنشأنا مع مجموعة من المتطوعين والمتطوعات ملتقى التطوير الاجتماعي بسيهات، فحين كنا على وشك النهوض بإقامة مهرجان «يوم بر الوالدين» 21 مارس في نسخته الأولى عام 1435 هـ  - على ما اذكر - في منتزه سيهات، كنا بحاجة للكثير من التجهيزات والأغراض والإمكانات التي لا يمكننا تحصيلها بسرعة وبشكل خيري إلا من خلال أفراد مقتدرين ونافذين أو مؤسسات رسمية مستعدة للتعاون معنا بتوفيرها، وكان الوقت ضيق، فاتصلت بالمهندس عباس - رحمه الله - وأطلعته على مدى احتياجنا لمجموعة من الأغراض، فتلقانا بأجمل ترحاب وتعرف على المبادرة من خلال توصيفي لها، وسعد كثيراً وبادرني بالقول: لا تشيل هم سيدنا الجمعية وإمكاناتها وأنا شخصياً تحت امركم.. شوفوا ايش تحتاجون وبرسم الخدمة تصلكم ان شاء الله الى محلكم بسيهات.. حينها علمت أن لله جنود حقيقيين لا يستخفون بالمبادرات النافعة مهما كانت متطلباتها، ما دامت ستفرح قلوب الناس وتسعدهم، ولا يضعون امامك عراقيل وعوائق بل مجندون لخدمة المجتمع سواء بشكل رسمي او اخوي او بوساطة تكفيك صعوبة الأمور وتسهلها دون قيد أو شرط..

المهندس عباس.. رحمك الله أيها الانسان الرائع..

انسان يقدر معنى ان تكون متطوعاً لخدمة المجتمع ويهبك القوة ويهديك البسمة..

انسان يقدر الانسان لإنسانيته وليس لجنسه ولا عرقه او مذهبه او خطه - كما يقولون -..

انسان تتشرف ان تعمل معه وتحت رئاسته وأنت مغمض العينين وفي حالة من الاطمئنان الكبير..

فرحمة الله عليك أيها الرجل الثاقب والحكيم النافذ..

وسلام الله على روحك الطيبة الطاهرة التي صعدت الى بارئها بكل اطمئنان وسلام راضية مرضية، لتجد لها قصراً مشيدا مع المخلدين في مقعد صدق عند مليك مقتدر..

وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين..