آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

سلسلة: إنك ميت ومبعوث «5» والأخيرة - في حضرة العدل الإلهي

نجاة آل إبراهيم *

﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ النساء - 141

لو كان لدينا شريكان اقترح أحدهما على الآخر أن يشتريا بضاعة ممنوعة وغير نظامية للبيع، الثاني رفض وفسخ الشركة، وتولى الأول ماكان في خطته، واشترى بضاعته الغير نظامية وباعها، ثم ضُبطت هذه المخالفة وأُلقي القبض عليه ووضع في السجن، فذهب الثاني ليزوره ويواسيه، ولكنه في نفس الوقت أحسّ بحكمة بالغة وسعادة غامرة من جراء قراره الحكيم الذي رفض به هذه الصفقة.

كذلك الله سبحانه وتعالى بإدخالنا النار في تفسير: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا

- يريد أن يرينا مكاننا في النار لو لم نكن مؤمنين فتتضاعف سعادتنا في الجنة إذ نشعر أننا نُجّينا من هذه النار المُحرقة.

- حتى نعلم تمام فضله وكماله ولطفه واحسانه علينا فنزداد سروراً وفرحاً بالجنة ونعيمها.

- حتى نرى في النار هؤلاء الذين طغوا وبغوا وتغطرسوا واستعلوا كيف أن عدل الله يلاحقهم.

﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ التوبة - 68

﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفضّة َوَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ التوبة: 34 - 35

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا النساء - 10

إن أصحاب الجنة عندما يمرون على جهنم يُدركون قيمة الجنة أفضل إدراك.

- إنه «يوم العدل الإلهي» اليوم الذي تُكشف فيه الحجب عن الجرائم ويُرفع النقاب عن الوجوه الكريهة.

- اليوم الذي يُحاسب فيه الإنسان على كل شيء ولو بمقدار حبة خردل أو مثقال ذرة.

- اليوم الذي تتكشف فيه الحقائق والأستار، فالكل مكشوف النفس والعمل والمصير.

- اليوم الذي يشيب من هوله الوليد، وتذهل الأم الحنون عن طفلها، وتسقط فيه الحامل حملها.

- اليوم ترتعد فيه الفرائص، وتضطرب الجوارح، وتبهت العقول، ويتمنى أقوام أن يذهب بهم إلى النار ولا تعرض قبائح أعمالهم على الجبار.

- اليوم الذي سيرى كل إنسان أعماله وكأنها تُعرض أمامه ويراها رؤية يقينية: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا الكهف - 49

أي سوف يُحضِر الله تعالى هذه الأعمال ويضعها أمام هذا الإنسان ويراها مثل العرض السينمائي الذي نتشوق إليه، ولكن واخجلتاه من هذا العرض.

- الله هو الحاكم بيننا وبين خصمائنا

فأي جواب؟!! وأي دفاع؟!! في ما لا جواب له ولا دفاع عنه.

- اليوم الذي قال فيه عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ :

«يُشْرِفُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَيْهم مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فِي ظِلَالٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَيَأْمُرُ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيُنَادِي فيهم: يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ أَنْصِتُوا وَ اسْتَمِعُوا مُنَادِيَ الْجَبَّارِ.

قَالَ: فَيَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ.

قَالَ: فَتَنْكَسِرُ أَصْوَاتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَ تَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ، وَ تَضْطَرِبُ فَرَائِصُهُمْ، وَ تَفْزَعُ قُلُوبُهُمْ، وَ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَى نَاحِيَةِ الصَّوْتِ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ.

قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: ﴿... هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ.

فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَ جَلَّ الْحَكَمُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ،

فَيَقُولُ:

أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ، الْيَوْمَ أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِعَدْلِي وَ قِسْطِي، لَا يُظْلَمُ الْيَوْمَ عِنْدِي أَحَدٌ، الْيَوْمَ آخُذُ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ بِحَقِّهِ، وَ لِصَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ بِالْمَظْلِمَةِ بِالْقِصَاصِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَ السَّيِّئَاتِ، وَ أُثِيبُ عَلَى الْهِبَاتِ، وَ لَا يَجُوزُ هَذِهِ الْعَقَبَةَ الْيَوْمَ عِنْدِي ظَالِمٌ وَ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ إِلَّا مَظْلِمَةً يَهَبُهَا صَاحِبُهَا وَ أُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَ آخُذُ لَهُ بِهَا عِنْدَ الْحِسَابِ، فَتَلَازَمُوا أَيُّهَا الْخَلَائِقُ وَ اطْلُبُوا مَظَالِمَكُمْ عِنْدَ مَنْ ظَلَمَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كَفَى بِي شَهِيداً».

ومضة نور:

سَفر الآخرة طويل المدى، فيه أهوال ومواقف صعبة وعقبات شديدة، لذلك نحتاج إلى زاد كثير فلا نغفل عنه، هاهو علي بن ابي طالب ينادي:

تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ وَأَقِلُّوا الْعُرْجَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ فَإِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً وَمَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً لَا بُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَاحِظَ الْمَنِيَّةِ نَحْوَكُمْ دَانِيَةٌ وَكَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَقَدْ نَشِبَتْ فِيكُمْ وَقَدْ دَهَمَتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَمُعْضِلَاتُ الْمَحْذُورِ. فَقَطِّعُوا عَلَائِقَ الدُّنْيَا وَاسْتَظْهِرُوا بِزَادِ التَّقْوَى.

اللهم آمِنّا يوم الفزع الأكبر، واجعل أرواحنا في الأرواح الرابحة، وأنفسنا في الأنفس الصالحة، وأجسادنا في الأجساد المطهرة، وأعمالنا في الأعمال المتقبلة، واعطنا فوزاً من رحمتك، وضياءً من نورك، وتثبيتاً من كرامتك بحق محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

مسؤولة اللجنة النسائية في جامع الإمام الرضا بصفوى