تدفق الأخبار المزيفة… كيف نقاومه
قرأت مقالة باللغة الإنجليزية نشرها موقع أخبار العلوم « www.sciencenews.org » بعنوان ”كيف تكتشف وتقاوم وتواجه تدفق الأخبار المزيفة“، اقتبستها الكاتبة الكسنادرا ويتز من 12 ورقة علمية؛ وأحببت مشاركة القارئ المحترم بعض ما جاء فيها.
كلنا معرضون
لعلي لا أجانب الحقيقة في أننا معرضون - بشكل او بآخر - للمعلومات الخاطئة التي تقلقنا وترهق عقولنا، ومنها الأكاذيب حول فيروس كورونا ولقاحات مكافحة مرض كوفيد-19، التي انتشرت مؤخرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن القليل منا يعرف كيفية اكتشاف الخبر المخادع. وليست المجتمعات في دول أخرى ومنها الدول الغربية مختلفة عنا، ففي ظل انتشار المعلومات السيئة، ابتلع كثير من الأمريكيين ”هيدروكسي كلوروكين“ على أمل أن يحميهم من كوفيد-19 «حتى مع عدم وجود دليل»، ورفض ولا زال يرفض آخرون ارتداء الأقنعة، خلافًا لتوجيهات ونصائح خبراء الصحة العامة. وفي يناير 2021، عطل المتظاهرون موقعًا للتطعيم في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، ومنعوا تطعيم مئات الأشخاص. وكما تقول العالمة المعرفية بريوني سواير طومسون من جامعة نورث إيسترن في مدينة بوسطن: ”لقد فتح فيروس كورونا أعين الجميع على مخاطر المعلومات الصحية الخاطئة“. ولا شك ان من بين المخاطر التعرض للموت نتيجة عدم الاحتراز من المرض.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
وتساعد بعض خصائص منشورات وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار المعلومات المضللة، التي يصعب محاربتها، ويرجع ذلك - جزئيًا - إلى أنها تنتشر لأسباب مختلفة. وفي بعض الأحيان، يشارك المشاهير السيئين في إنتاجها وانتشارها، بحثًا عن الشهرة وكثرة المتابعين والمعجبين إضافة الى عائدات الإعلانات. ويقود متلقيو المعلومات - في أوقات أخرى - الى انتشارها عن غير قصد على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أماكن أخرى لمجرد أنهم يجدونها مفاجئة أو مثيرة للاهتمام. وهناك عامل آخر هو الطريقة التي يتم من خلالها تقديم المعلومات الخاطئة - سواء من خلال النص أو الصوت أو الفيديو. ويمكن اعتبار الفيديو الأقوى أثرًا من بينها، لأنه يجعل المتلقي يشعر بمصداقية عالية للمعلومات، وفقًا لبحث أجراه خبير ”سيكولوجية المراسلة“ في جامعة ولاية بنسلفانيا شيام سوندا. فالفيديو وسيلة مقنعة بشكل خاص لأولئك الذين قد لا يكونون على دراية بالموضوع المطروح.
مواجهة الاخبار الزائفة
ويمكن مواجهة الادعاءات السيئة من خلال تقديم معلومات دقيقة للمتلقين في الوقت المناسب تمامًا، أو عن طريق دفع الناس بمهارة وفعالية إلى الانتباه إلى دقة ما يبحثون عنه. وتتضمن مثل هذه الأساليب تغييرات سلوكية صغيرة يمكن أن تشكل حصنًا كبيرًا ضد هجمة الأخبار المزيفة.
وهناك طرق لمحاربة الأخبار الكاذبة، فعلى سبيل المثال، يمكن لشركات الوسائط الاجتماعية إعطاء الأولوية للرد على شكاوى المستخدمين عندما تتضمن المعلومات المضللة التي يتم نشرها في مقاطع فيديو، فوق تلك التي تكون نصية فقط. وقد تركز جهود التثقيف الإعلامي على توعية الأشخاص بأن مقاطع الفيديو يمكن أن تكون خادعة للغاية. ويقول أحد الخبراء إن الناس أكثر سذاجة عند عرض المعلومات المضللة في شكل فيديو. وهذا مهم بشكل خاص مع ظهور تقنيات التزييف العميق التي تعرض مقاطع فيديو خاطئة ولكنها مقنعة بصريًا.
إن واحدة من أكثر المشاكل الخادعة مع الأخبار المزيفة هي مدى سهولة ترسيخ نفسها في أدمغتنا ومدى صعوبة التخلص منها بمجرد وجودها، حيث أننا نغرق باستمرار بالمعلومات، وتستخدم عقولنا الاختصارات المعرفية لمعرفة ما يجب الاحتفاظ به وما يجب تركه. وفي بعض الأحيان تتماشى تلك المعلومات مع القيم التي نتمسك بها، مما يجعلنا أكثر عرضة لقبولها، وهذا يعني أن الناس يقبلون باستمرار المعلومات التي تتوافق مع ما يؤمنون به بالفعل. ومما يزيد المشكلة تعقيدًا أن الناس يمكنهم معالجة حقائق الرسالة بشكل صحيح بينما يسيئون فهم جوهرها بسبب تأثير عواطفهم وقيمهم. وبفضل الرؤى الجديدة مثل هذه، يعمل علماء النفس وعلماء الإدراك على تطوير أدوات يمكن للناس استخدامها لمحاربة المعلومات المضللة قبل وصولها، أو التي تدفعهم إلى التفكير بعمق أكبر في المعلومات التي تصلهم.
وأحد هذه الأساليب هو الفضح المسبق للمعلومات الغير صادقة، بدلاً من فضح زيفها بعد الواقعة، لأن تقديم معلومات مضللة قبل معلومات حقيقية يلغي أي فائدة لتلقي المعلومات الحقيقية، فمجرد ذكر المعلومات المضللة يقوض فهم الناس لما هو حقيقي. ويؤدي إعطاء الأشخاص معلومات أخرى ذات صلة بموضوع ما الى مساعدتهم على مقاومة المعلومات السيئة التي تعرضوا لها بعد ذلك.
وفي بعض الأحيان لا يتطلب الأمر الكثير من التدخل لإحداث فرق، ويتعلق الأمر أحيانًا بإقناع الناس بالتوقف والتفكير للحظة فيما يفعلونه. إن الأشخاص الذين يملكون قدرة تحليلية هم أقل عرضة للانخداع بعناوين الأخبار المزيفة على أنها دقيقة، بغض النظر عن انتماءاتهم. وبعبارة أخرى، قد يؤدي التفكير الكسول إلى تعرض الناس للأخبار المزيفة.
وعندما يتعلق الأمر ب كوفيد-19، فإن الاستقطاب السياسي يمتد إلى سلوك الناس، فمثلًا يمكن أن يطغى الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة مع النظم الإيكولوجية للوسائط المتناقضة على مهارات التفكير المنطقي لدى الناس، عندما يتعلق الأمر باتخاذ إجراءات وقائية، مثل ارتداء الأقنعة.
وتلعب الغفلة دورًا رئيسيًا في انتشار المعلومات المضللة، ولحسن الحظ، هناك بعض الطرق البسيطة للتدخل، لدفع مفهوم الدقة إلى عقول الناس، ومساعدتهم على مقاومة المعلومات المضللة، ومنها التدريب على التفكير النقدي بشكل أساسي، ولكن بشكل خفيف جدًا، حيث علينا أن نتوقف عن اغلاق أدمغتنا كثيرًا. ويمكن ان يكون للتذكيرات الأساسية جدًا حول الدقة تأثير خفي ولكن ملحوظ. ولفضح الزيف، يمكن أن يكون التوقيت الأكثر تأثيرًا. إن وضع علامات على العناوين على أنها ”صحيحة“ أو ”خاطئة“ بعد تقديمها ساعد الناس على تذكر ما إذا كانت المعلومات دقيقة بعد أسبوع من ذلك، مقارنةً بالعلامات قبل أو في وقت تقديم المعلومات.
نصائح لتجنب الوقوع في الفخ
ينصحنا باحثو المعلومات بما يلي:
• سلح نفسك بمهارات التثقيف الإعلامي، لفهم أفضل لكيفية اكتشاف مقاطع الفيديو والقصص الخادعة.
• لا توصم الناس بسبب معتقداتهم غير الدقيقة، وأظهر التعاطف والاحترام، لتجنب أن تنفر جمهورك أكثر من مشاركة المعلومات الدقيقة بنجاح.
• ترجم الأفكار المعقدة ولكن الحقيقية إلى رسائل بسيطة يسهل فهمها، ويمكن أن تساعد مقاطع الفيديو والرسومات والمساعدات المرئية الأخرى.
• اشرح المغالطات الأساسية بمجرد تقديم بديل واقعي للمعلومات الخاطئة، عندما يكون ذلك ممكنًا.
• قم بالتعبئة في أسرع وقت ممكن عندما ترى معلومات خاطئة يتم مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي، واذا رأيت شيئا فقل شيئا.
وأشاروا إلى أن الربط المسبق لا يزال له قيمة. ولكن تقديم فحص سريع وبسيط للحقائق بعد أن يقرأ شخص ما العنوان الرئيسي يمكن أن يكون مفيدًا، لا سيما على منصات وسائل التواصل الاجتماعي حيث غالبًا ما يتصفح الأشخاص المنشورات بلا تفكير.
دور شركات التواصل الاجتماعي
اتخذت بعض شركات التواصل الاجتماعي بعض الخطوات لمكافحة المعلومات الخاطئة المنتشرة على منصاتها، وكانت النتائج متباينة. وقد واجه برنامج التحقق من الحقائق على تويتر «بيرد واتش Birdwatch» مشكلة مع الجودة الرديئة لإبلاغ المستخدم، وكافح فيسبوك لمكافحة المعلومات الخاطئة حول لقاحات كوفيد-19 بشكل فعال على منصته.
ودعا باحثو المعلومات المضللة مؤخرًا شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى مشاركة المزيد من بياناتهم حتى يتمكن العلماء من تتبع انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت بشكل أفضل. ويمكن إجراء مثل هذا البحث دون انتهاك خصوصية المستخدمين، على سبيل المثال من خلال تجميع المعلومات أو مطالبة المستخدمين بالموافقة النشطة على الدراسات البحثية.
واستخدم الكثير - من العمل حتى الآن حول انتشار المعلومات المضللة - البيانات العامة من تويتر لأنه يسهل البحث عنها، لكن المنصات مثل فيسبوك لديها عدد أكبر من المستخدمين والمزيد من البيانات. وتتعاون بعض شركات وسائل التواصل الاجتماعي مع باحثين خارجيين لدراسة ديناميكيات الأخبار المزيفة، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتحصين الجمهور ضد المعلومات الكاذبة.