آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

العدوان مستمر ولكن..

زكي أبو السعود *

نقلت بعض وكالات الانباء ان البيت الابيض يتوقع خفضًا كبيرا للتصعيد العسكري بين إسرائيل وحماس، وذلك بعد الحديث الذي جرى بين الرئيس الامريكي بايدن وبين رئيس وزراء العدو نتانياهو، بعد ان ناقشا ”التقدم الذي احرزته إسرائيل في اضعاف قدرات حركة حماس ومنظمات ارهابية في غزة“، رغم ان مصدر عسكري إسرائيلي قد صرح بأنه لا زال غير متأكدا من بلوغ ذلك. وهو ما يعني استمرار إسرائيل في شن غاراتها المتواصلة ليلا ونهارا على سكان غزة.

هذا الموقف الإسرائيلي ليس جديدا عليها، ففي جميع حروبها العدوانية التي شنتها من قبل لا تستجيب لدعوات وقف إطلاق النار، الا بعد أن تطمئن الى أن مخزونهم من الصواريخ والقنابل قد استنفد وآن الوقت لتعبئتها من جديدة بآخر انواع القنابل والصواريخ المصنعة في امريكا وبلدان اوروبا الغربية.

وبهذا تستمر شركات تصنيع هذه الاسلحة في تحقيق مزيدا من الارباح عبر بيعها لإسرائيل التي تحظى بالاولوية في امدادها بآخر ما صنع من اسلحة.

كل المراقبين لا يجادلون بأن كمية ونوعية القنابل والصواريخ التي قصفت بها غزة خلال هذه التسعة ايام الماضية تكفي لتدمير مدنا كاملة دون عناء أو مشقة عسكرية، فما بالك بقطاع غزة الذي مساحته اقل من 400 الف كم مربع ومبانيه شديدة التلاصق بعضها ببعض؟.

تدمير المباني السكنية والمكاتب والشوارع والمساجد وكل الدمار الذي الحقته طائراتهم بالبنية التحتية الغزاوية الهشة يحسبه نتانياهو انجازا عسكريا كبيرا.

ولديه المبرر وراء تفاخره وتباهيه فلم يتم اسقاط طائرة واحدة من طيارته، وكيف لذلك ان يحدث وكل ماتم تدميره كانت اهدافا مكشوفة سهلة الالتقاط لا تملك غطاءا أو حماية دفاعية، ولا تحتاج لكل هذه الطائرات الحديثة الصنع ذات القدرات القتالية والتدميرية الفائقة، فكيف بطائرات تملك من التقنية ما يجعلها لا تخطأ اهدافها حتى لو كانت صغيرة؟.

ليس غريب على شخص مثل نتنياهو اعتاد على تشجيع وتأييد سفك دماء الفلسطينيين من قبل رجال حزبه وبقية الاحزاب الصهيونية ان تغمره النشوة ويرقص مبتهجا حين رؤية جثث الاطفال والعجزة الذين استشهدوا في حفلات القصف والتدمير، فهولاء الشهداء لم يمنعوا طائراته من استهدافهم وقتلهم بدم بارد، فهو لم يخسر ولا طائرة، ولم يصب اي طيار من طياريه، فالبالونات التي اطلقها اطفال غزة لتحلق خلف جدران الكراهية لا تمنع هؤلاء الطيارين من اكمال مهماتهم، التي كان يتابعها البيت الابيض باهتمام بالغ.

لم يحتاج الطيارون الإسرائيليون لأكثر من ضغطة اصبع على زر من تلك الازرار الشبيهة بذاك الزر الذي ضغط عليه الطيار الامريكي بول تيبس حينما اسقط القنبلة الذرية على هيروشيما لاكمال مهامهم.

لم تكن مهمات الطياريين الاسرائيليين صعبة أو محفوفة بالمخاطر كما يحاول نتانياهو وقادة جيشه ان يدّعوا لرفع معنويات جنودهم، فكل الدفاعات والمقاومات التي وجهت لهم لم تكن الا ايد امهات ثكلى مرفوعة إلى السماء، ودعوات تتوجه الى الله ليحمي ما بقي من اطفالهم ويمنع هذه الطائرات عن الحاق الأذى بصغارهم الباحثين عن الامان في احضان امهات أصبحن بلا بيت يأويهم.

عادة تنقل وكالات الانباء ما يراد لها ان تبثه، ونص الخبر يٌصاغ بما يناسب اصحاب ومالكي وكالات الانباء، ولكن المراقبون والمتابعون يفسرون هذه الاخبار ليس فقط اعتمادا على النص بقدر ما يتبع أو يأتي من تداعيات خلف الخبر، وهو ما يجعلنا نستنتج بأن نتانياهو في حديثه مع الرئيس الاميركي قد اكد له اطمئنانه للانجازات التي حققتها منجزات الصناعة العسكرية الامريكية من تدمير لقوات حماس الصاروخية. وان الرئيس الامريكي «الذي وافق على بيع مجموعة من الصواريخ والقنابل الذكية ذات القدرات التدميرية الشديدة خلال هذه الايام» لا بد انه هو الآخر غمره الفرح لأن ما يصنع في الولايات المتحدة الامريكية من قنابل وصواريخ اثبتت مدى مهارتها في تدمير كل اهدافها حتى لو كانت مدنية مسالمة. الم يشاهد الرئيس واعضاء ادارته كيف احال السلاح الامريكي الصنع الجثث الى اشلاء تختلط بكتل الاسمنت التي انهالت عليها، والى رماد يتطاير مع الريح في سماء غزة؟ فلماذا لم يعترض بصوت عال على ذلك؟ ولكن وكالات الانباء التي تبث صور الدمار الذي الحقته صواريخه لن تنقل له ان من هذا الرماد ستنبعث منه ارواحا جديدة متمسكة بتراب ارض فلسطين الطاهرة، واعدة اياهم بأن تجعلها مقبرة لكل الغزاة المعتدين والمحتلين.

سيطيب للرئيس الامريكي واعضاء فريقه وزملاءه في الدول الاوروبية أن يعلنوا للعالم خلال الايام القادمة بأنهم نجحوا في منع التصعيد في غزة وفي ايقاف الحرب بين إسرائيل وحماس، وكأن القضية الفلسطينية كلها اختزلت في ما اطلق من صواريخ من غزة، وانه ليس هناك هبة من الشعب الفلسطيني رفضا لما تقوم به قوات الاحتلال الاسرائلية من اغتصاب للأرض ومصادرة للبيوت وتهجير للسكان الفلسطينيين من ديارهم ومزارعهم وقراهم، ولسياسة الفصل العنصري «الابرتهايد» التي تمارس بحقهم امام اعين العالم اجمع الذي تقف حكومات معظم ما تطلق على نفسها دولا ديمقراطية متفرجة دون اي اعتراض على هذه الجرائم التي لا تقل ابدا عما كان يفعله النازيون في المانيا والعنصريون في جنوب افريقيا.

ولكن خلافا لهذه المواقف المقرفة والمهادنة للسياسة الاسرائيلية، شهدنا خلال هذه الايام حملة تضامن اممية واسعة انطلقت في العديد من بلدان تأييداً لنضال الشعب الفلسطيني في سبيل استرداد كافة حقوقه وادانة وتجريم لما تقوم به قوات الاحتلال الاسرائيلية من جرائم لا تغتفر.

المجد والخلود لشهداء الشعب الفلسطيني والنصر له في نضاله المستمر..

بكالوريوس في القانون الدولي، ودبلوم علوم مصرفية. مصرفي سابق، تولى عدة مناصب تنفيذية، آخرها المدير العام الإقليمي…