مفارق علمية وتحديات في علاج الآلم المزمن
قال الضحاك:
ما أنعم الله على عبده *** بنعمة أوفى من العافية
وكل من عوفي في جسمه *** فإنه في عيشةٍ راضية
تجدد العافية كل يوم هي من النعم المنسية التي أغدقها علينا الباري، لايشعر بها إلا من فقدها من المرضى وأصبح الآلم رفيقه، خصوصاً ممن يعانون من الآلام المزمنة لفترة طويلة والتي قد تمتد لسنوات.
هل كل آلم هو إنذار عن خطر جسيم؟! وهل كل آلم مزمن ليس له علاج؟!
تم تعريف الآلم عن طريق الجمعية الدولية لدراسة الآلم «IASP» على أنه تجربة غير مريحة من المشاعر الحسية والعاطفية.
كما أن الآلم هو عملية دفاعية ورسالة تنبيهيه يُصدرها الدماغ للحفاظ على الجسم، وبالتالي هو تجربة إدراكية طبيعية بهدف الحماية وزيادة فرصة البقاء.
ولكن في بعض الأحيان قد يتحول الآلم الحاد إلى آلم مزمن عندما يستمر إلى مابعد شفاء الأنسجة الطبيعي الذي لا يتجاوز غالباً 3 - 4 أشهر.
واستناداً لهذه المعلومات فإن أنواع الآلم المبدئي تنقسم مابين الآلم الحاد والآلم المزمن، حيثُ أن الآلم الحاد هو شعور ينتج من ارتباطه بإصابة أو تلف نسيجي ويكون التركيز في علاجه على المسبب الرئيسي للآلم الذي يكون واضحاً في الغالب، بينما الآلم المزمن هو شعور مركب متعدد الأبعاد، مختلف الشده، يستمر لمده طويلة من الزمن ويعتمد في تكوينه على العوامل البيولوجية، الاجتماعية، الجسدية والنفسية حول الفرد ويكون علاجه عن طريق التركيز على معالجة أثار الآلم وتعزيز جودة الحياة حيث أنه لا ينتج بسبب واضح كالألم الحاد.
يُعد الآلم المزمن من أكثر المشاكل المعقدة انتشاراً بين سكان العالم، فهو ليس مجرد شعور بالآلام الجسدية، إذ له تبعات سلبية تطال الجوانب الشخصية، النفسية، والاجتماعية للفرد على نطاق واسع، كما عبر الكثير ممن يعانون من الآلام المزمنة عن فقدهم علاقاتهم العائلية والاجتماعية مع الأصدقاء والبعض أصبحوا غير قادرين على العمل وفقدوا وظائفهم وأخرين أصبحوا يعانون من الاكتئاب وخمول في أداء الأنشطة اليومية.
ولهذا يتطلب معالجة الآلم المزمن بنجاح تحولاً ثقافياً واسعاً في المجتمع لطريقة فهم هذا النوع من الآلم وخصائصه وسلوكياته لدى المريض من جهة، وفهم ومعرفة طريقة تقييمه ومعالجته المختلفة النمط لدى الممارس الصحي من جهة أخرى.
حيثُ يتضمن علاج الآلم المزمن عدة أساليب لتفكيك شفرته المعقدة لدى بعض المعالجين والتي تكون بمثابة التحدي لهم ويتكون من العلاجات الدوائية والغير دوائية كالعلاج الطبيعي التأهيلي، العلاج السلوكي المعرفي، تقليل حساسية الجهاز العصبي للآلم وتحفيز الإدارة الذاتية.
ونتيجة لذلك فإن الركيزة الأولى في علاج الآلم المزمن هو توجيه الانتباه حول جودة الحياة وليس علاج الآلم بحد ذاته، بمعنى التركيز على البيئة المحيطة بالمريض وجوانبه النفسية والاجتماعية ومساعدة المريض على فهم طبيعة الآلم والتعايش مع تغيراته عن طريق إعادة التأهيل والتثقيف بأهمية الصحة النفسية ودورها المهم في تغيير خارطة الآلم في الدماغ بدلاً من إدمان المسكنات التي سيعتادها الجسم مع الوقت.
وهنا بعض النقاط للتعامل مع الآلام المزمنة وعلاجها بطريقة مختلفة عن العلاج النمطي:
1 - تثقيف المريض بكيفية إدارة الآلم المزمن والتعامل معه وتقبل بعض الانتكاسات التي قد تحدث أثناء المرحلة العلاجية لما لها من دور مهم في التأثير على معدل الآلم.
2 - تطمين المريض وتقليل مساحة الخطر والقلق لديه واستبدالها بمساحة الأمان ومسح جميع المعتقدات الخاطئة من ذاكرته حتى لا تؤثر رواسبها في نجاح العلاج لأن الخبرات السابقة المخزنة في ذاكرة الآلم في الدماغ يمكن استحضارها في أي وقت عند وجود انتكاسه وبالتالي تُغير من حساسية الجهاز العصبي للآلم من جديد.
3 - تعزيز الحياة النشطة وممارسة الرياضة بما يتناسب مع عمر المريض وحالته الصحية كما يُفضل وصف التمارين بالتدريج ليتقبلها الدماغ وحتى لا يعتبر التمارين المفاجِئة عامل خطر ويبدأ بالتعامل معها بطريقة دفاعية فيزيد من تهيج الآلم وعندها يرفض المريض الحركة لارتباطها بفكرة الآلم.
4 - تشجيع ممارسة الهوايات المفضلة أو خلق هواية جديدة لتشتيت الدماغ عن تعزيز فكرة الآلم.
5 - تنظيم النوم بكفاءة يساعد على إفراز هرمونات الاستشفاء، حيثُ أن القلق في المقابل يزيد من إفراز هرمون الكورتيزول لتخفيف التوتر ولكن مع الوقت يفقد الجسم حساسيته لهذا الهرمون فتظل المشكلة عالقة.
6 - الترويح عن النفس وتهدئة الأعصاب عن طريق ممارسة بعض الأشياء المحببة كتناول طعام مفضل، الحديث مع شخص مقرب، الضحك، اللجوء للطبيعة والتأمل، ممارسة تمارين التنفس والاسترخاء، تدوين تطورات التحسن الجديدة أثناء الرحلة العلاجية.
إن المعرفه هي نصف العلاج فمعرفة المريض بمشكلته وطريقة التعامل معها هي من أساسيات العلاج لمساعدته في تخطي هذه المرحلة المزمنة من حياته.