مستقبل القضية الفلسطينية
أسبوع مضى، ومنذ الثامن من هذا الشهر، حتى الآن، بدأت مرحلة جديدة في الصراع بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال الإسرائيلي، هي الأولى في تاريخ الصراع من حيث مبادءة المقاومة لجيش الاحتلال.
في كل الحروب التي احتدمت بين العرب جيوشاً ومقاومة، من جهة والاحتلال الإسرائيلي، من جهة أخرى، باستثناء حرب يوليو/ تموز مع لبنان عام 2006، وبشكل محدود، ظلت المدن الفلسطينية الكبرى، التي تقع في نطاق إسرائيل «آمنة» وبعيدة عن شظايا الحرب. يسجل للمواجهة الأخيرة، وحدها التمكن من تكثيف الهجوم على غلاف غزة، وبشكل خاص مدينة عسقلان التاريخية، والقدرة على استهداف تل أبيب، تل أبيب والمدن المحيطة بها في العمق الإسرائيلي.
ما يهم في هذا الحديث، ليس قراءة ما جرى بالميدان، بل تأثير ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية، التي ساد شعور عام، لدى الكثير من العرب، خاصة بعد طرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأنها باتت من الماضي. لقد نفضت الأحداث الأخيرة الغبار عن الملفات التي ساد شعور بأنها طواها النسيان، وأعادت الاعتبار للقضية العادلة للشعب الفلسطيني على المستوى العربي والدولي ونقضت مقولة «الجيش الذي لا يهزم»، وبعثت الروح مجدداً لمركزية هذه القضية في الوجدان لدى الأمة العربية والشعوب المحبة للسلام العادل.
في هذا السياق، يجدر التنبه، إلى أن موضوع استقلال الأراضي المحتلة: الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، قد تبنته منظمة التحرير الفلسطينية، منذ ثمانينات القرن المنصرم، وكان مطروحاً بقوة لدى حزب العمل الإسرائيلي أثناء قيادة شمعون بيريز لهذا الحزب.
وكان الموقف آنذاك، ضمن قيادات حزب العمل، أن ضم هذه الأراضي يلحق الضرر بإسرائيل لأنه يلغي يهودية الدولة، ويشكك في مصداقية مقولة أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط، ويسمها أمام العالم بالعنصرية.
الحل من وجهة نظر الآباء المؤسسيين للدولة اليهودية، أحفاد بن جوريون، هو التسليم بقيام دولة فلسطينية، على الأراضي التي تم احتلالها في حرب يونيو/ حزيران عام 1967م، ولتكون الدولة الفلسطينية المرتقبة، والتي ستربط اقتصادياً بإسرائيل، ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، هي منطقة عبور برية للدولة اليهودية في كل الاتجاهات، وهي رؤية تنسجم في الغالب مع بعض التعديلات الطفيفة على موقف النظام العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، الذي التزم منذ قمة فاس عام 1982 بقيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية.
هذه الرؤية تنتعش الآن ضمن عدد من القادة الإسرائيليين، من أمثال إيهود أولمرت وسيبني ليفني وغيرهما، وتأتي نتائج المواجهة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال لتعزز من هذه الرؤية.
وليس من شك في أن وصول جو بايدن الذي يتبني هذا الموقف، لسدة الرئاسة الأمريكية، سيعيد القضية الفلسطينية للواجهة، مسنوداً بما حدث في ميادين المواجهة في الأيام الأخيرة.
بالتأكيد لا يرغب الأمريكيون ولا حكام تل أبيب في إعطاء رصيد قوي للفلسطينيين، من شأنه قلب الطاولة، فذلك ما يشكل تهديداً دائماً لأمن الاحتلال، وإذا لم يغتنموا نتائجها فإنهم بذلك يضعفون القوى الفلسطينية التي يصفونها بالمعتدلة، ومنها السلطة الفلسطينية، التي فقدت كثيراً من رصيدها الشعبي في المواجهة الأخيرة، ومن جهة أخرى فإن النتائج الميدانية للصراع، والتي أسستها الأيام الأخيرة، أكدت أن القدرات الفلسطينية، ربما لن تستطيع تحرير الأرض، بالأفق المنظور، بسبب الخلل الكبير في توازن القوى، ولكنها قادرة على إلحاق الأذى بالمحتل وتكبيده أكبر الخسائر.
تشير التقديرات إلى أن خسائر الاحتلال الاقتصادية في المواجهة الأخيرة تخطت عشرة مليار دولار في أقل من أسبوع واحد، وهي خسائر ليست قليلة بكل المقاييس، وعودة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، على أساس الاعتراف بحق الفلسطينيين في الاستقلال وتقرير المصير، من شأنها أن تمنح رصيداً جديداً للسلطة.
من جهة الشعب الفلسطيني الذي قدم الكثير، من قادته وشبانه، لن يفرط بسهولة في رصيده الذي حاز عليه في الأيام الأخيرة، ولن يقبل بأي تهدئة للموقف إلا على أساس توقف قوات الاحتلال عن بناء المستوطنات، وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، بالقدس والضفة الغربية.
إنها مرحلة جديدة ينبغي أن يستثمرها العرب والفلسطينيون في تعزيز مطالبهم المشروعة لتحقيق صبوات الفلسطينيين ومطالبهم العادلة في العودة، وإقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف فوق التراب الوطني الفلسطيني.