آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:58 م

الإمام الشيرازي، فقيها، مفكرا، وقائدا

السيد ماجد السادة *

لم يتوقف نهر عطاء آية الله العظمى الإمام محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي قدس سره عند الفقاهة التشريعية وحسب بل تجاوزها إلى بحر فقاهة العصر ومتطلبات نهضة الأمة، فكان الفقيه الذي أثرى المكتبة الإسلامية بأكبر موسوعة فقهية في التاريخ الشيعي إن لم يكن الإسلامي والتي بلغت 165 مجلدا، قد أبدع فيها معالجات لقضايا هي من مخاضات العصر الحديث، استطاع أن يتجاوز الفقهيات الفردية «المهتمة بالمعالجة الشرعية من زاوية الفرد المكلف» نحو تأسيس منهج للفقه المجتمعي «المهتم بمعالجة مسائل شرعية مجتمعية ومن زاوية مجتمعية لا فردية»، ليأخذنا بذلك إلى عصر تشريعي جديد، فإذا به يتوج المكتبة التشريعية بدرره من فقه السياسة والاجتماع والاقتصاد والحقوق والسلام والاعلام وغيرها.

إلا أن هذا الطود الشامخ لم يكتف في تطلعه أن يكون فقيها وحسب بل وكما سبق أن قرر في كتابه ”المرجعية الإسلامية“ بأن الفقيه لا بد أن يكون مفكرا أيضا، لذا وجدناه ليس مفكرا وحسب بل ومؤسسا لمدرسة فكرية عرفت به امتازت بالأصالة والمعاصرة المستمدة رؤاها ومنظومتها الفكرية من عمق فهم لنصوص الوحي من القرآن والسنة واستيعابها العميق لتراكم الخبرات والتجارب البشرية في التاريخ، فكانت مدرسة قد واءمت بين الأصالة والحداثة وبين الوحي وتجارب الأمم وتطور الفكر البشري.

ولعل من أبرز معالم مدرسته ومنظومته الفكرية: الشورى على كافة المستويات بدءا من شورى الفقهاء كسلطة عليا مرورا بالمؤسسات وحتى الأسرة، وكذا التعددية والحرية واللاعنف، وإيمانه بالأمة الواحدة والأخوة الإسلامية وغيرها. وهذا ما سوف تلحظه كسمة عامة لكافة كتبه المعنية بنهضة الأمة ومنها كتابه ”الصياغة الجديدة“ و”اللاعنف في الإسلام“ و”السبيل إلى إنهاض المسلمين“ وغيرها، وقد أضحى فكره النهضوي ونتاجه المعرفي محل اهتمام الباحثين والاكاديمين حتى بلغت تلك الدراسات المعنية بفكره وسيرته تربو على الثلاثين دراسة مطبوعة.

بيد أن هذه الشخصية العملاقة لم تقف عند ساحة التنظير بل كانت لها ملحمة قيادية في ميدان الإصلاح والنهوض بالأمة واجه فيها ألوان عديدة من الصعاب والتحديات ليس أقساها المطاردات والحكم بالإعدام أو التسقيط والترهيب، لكنه وبرغم تلك التحديات استطاع أن يؤسس مراكز ومؤسسات تعنى بشتى أبعاد إحياء الأمة وإصلاحها ونهضتها في بقاع مختلفة من العالم، فكان الطود الشامخ الذي عجزت عواصف التحديات وأعاصيرها أن تنال منه أو تحني شموخه وتزلزل رسوخه، حتى بات أسطورة ملهمة في الصمود والثبات ومواجهة التحديات لكل رواد الإصلاح والتغيير، امتازت شخصيته القيادية بالسماحة وسعة الصدر والعفو والنفس الطويل والتخطيط والمهارة الإدارية والصبر والثبات والإرادة الصلبة.

لهذا كله لا زال المؤمنون في شتى أصقاع العالم يحرصون على إحياء ذكرى هذه الشخصية العظيمة ليتزودوا من معينها وفكرها وسيرته الملهمة، لأنها وكما قال العلامة الشيخ ”يوسف المهدي“ في تأبينه: ”لم يكن مرجع فتوى والأحكام الشرعية فقط «بل» كان بحق وحقيقة قائدا ورمزا ومفكرا ومنظرا“ نعم لقد كان فقيها، مفكرا وقائدا أنه أيقونة الإصلاح والنهوض بالأمة، فكان فقده ثلمة في ضمير الأمة والإسلام وحق للشاعر المبدع ”جاسم الصحيح“ أن يندبه في مرثيته قائلا:

موت بحجمك فارع جبار *** كيف استطاعت نسجه الأقدار
ما كان عمرك في جليل عطائه *** عمرا فيزهق أنه أعمار

ورحم الله من يقرأ له الفاتحة