المعلم محمد صالح الصفار ومخطوطته زهرات الأهلة
يشتد النقاش في هذه الأيام عن هلال يوم العيد، وكيفية إثباته، ومحددات رؤيته، وانتقادات تساق إلى سنوات عديدة ثبت فيها الهلال ولم يكن موجودا في الأفق، في مقابل هذا الأمر تبرز أمامنا طريقة أخرى، وهي الطريقة الحسابية، وللأمانة لا يمكن التعويل عليها في إثبات وجود الهلال ونفيه مقابل الرؤية العينية المباشرة، والتي أمر بها الشرع الشريف، لكن هذه الطريقة يرجع إليها في حالة ما أردنا التوقع، وفي حال سوء الأحوال الجوية، أو إذا غم علينا رؤية الهلال، وهنا يبرز جدول المرحوم محمد صالح الصفار الحسابي، وطريقته في توقع الهلال، وبمقدار ما هو واثق من نفسه وحسابه فقد ترك لنا إرثا يمتد من العام 1405 هجرية إلى العام 1536 هجرية.
فمن هو الحاج محمد صالح الصفار؟، وما هي قصة هذا الجدول الحسابي؟
وهل يوجد له مخطوطات أخرى.
هذه صورتي تريك مثالي
مثل من كان سابقاً للزوال
إنني في الحياة لست مقيماً
لست أدري متى يكون ارتحالي
اقتطعت هذين البيتين من مجموعة أبيات كتبها الكاتب أسفل صورته في مخطوط آخر للكاتب أسماه «زهرات المنازل القمرية»، سبق أن ألقيت الضوء عليه في مجلة الواحة التراثية العدد 50 للعام 2009 ميلادية.
وقد وضع المؤلف اسمه كالتالي:
محمد بن صالح الصفار آل فردان الهمداني التاروتي البحراني
ويبدو لنا هذا الاسم، كأنه ركب من مجموعة من الأسر في جزيرة تاروت، فأسرة الصفار أسرة معروفة بالعلم وإليها ينتمي المرحوم العلّامة الشيخ حسن بن علي الصفار، والعلامة الشيخ رضي الصفار، والخطيب الشهير الملا عبد علي الصفار، وإليها أيضاً تنتمي بعض الوجوه العلمية المعروفة التي انتقلت إلى منطقة القطيف أمثال المرحوم الشاعر الحاج موسى بن الشيخ رضي الصفار، الذي أيضاً خلَّف مجموعة من الأبناء وأبرزهم الشخصية المعاصرة المعروفة الشيخ حسن بن موسى الصفار وأخاه الشيخ محمد الصفار.
وترتبط أسرة الصفار برباط النسب بمجموعة من الأسر التاروتية مثل أسرة الخباز، والسني، والمعلم، والعيد، اليعقوب، الدخيل، والصادق، العبادي، والحجاج... الخ
في المقابل هناك أسرة الفردان وهي أسرة أخرى، ولها وجودها في جزيرة تاروت والبحرين، والإمارات.. إلخ
وهذا الاسم يدخلنا في الخلط بين الأسرتين، ولا أعرف إن كان اسمهم الأصلي «الفردان» أم الصفار، أم أن مهنة تصفير الأواني «أي جليها» أكسبتهم هذا الاسم، وقد شهدنا بعض رجالات هذه الأسرة يعملون في هذه المهنة حتى نهاية العمر.
ونتساءل عن العلاقة بين نسب هذا الكاتب وهمدان؟، فقد يكون لذلك علاقة بالهمداني صاحب الإمام علي ، نسبة إلى قبيلة همدان في اليمن. وقد ذكر صاحب الأزهار في أكثر من مجلد لأكثر من شخصية من شخصيات آل الصفار أن الهمداني من همدان أمير المؤمنين كما سمعت ذلك من صاحب الترجمة.
وقد عثرنا أخيراً على وثيقة موجودة في مكتبة الإمام الشيخ علي نجل الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء، بخط يد المرحوم محمد صالح الصفار «مترجمنا»، ومذيلة بتعليق من قبل الشيخ علي كاشف الغطاء وممهورة بختمه. «يؤسفني أنها ليست موجودة حاليا بيدي» لكن أضع توصيفا لمحتوياتها.
يقول الكاتب فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
فراغ...
ثم يبدأ بالتفصيل عن نسبه بقوله:
بما أني محمد صالح بن الحاج ملا صالح بن الحاج علي بن محمد بن حسن بن ناصر بن فردان الصفار «...» [هكذا جاء في الأصل] ابن هديب بن حرحد بن علي بن صقر بن أبي دارم بن أبي فراس بن عيسى بن أبي النجم بن درام بن حدان بن خولان بن إبراهيم بن مالك الأشتر صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن الحارث بن عبد يغوث بن سلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة «وإليه يرجع بنو جذيمة البطن من بطون النخع القحطانية» ابن سعد بن مالك بن النخع، واسمه جس ويسمى «لأنه انتخع عن قومه أي بعد عنهم وإليه ترجع القبائل النخعية القحطانية» ابن عمر ابن عقلة بن جلد بن عقلة بن جلد بن مالك وهو المسمى بمدحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن نريد بن كهلان بن سبا أبو قبيلة من حمير بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح النبي صاحب السفينة بن لامك بن متوشح بن أخنوع وهو إدريس ابن برد ويسمى بارد ابن مهلائيل بن قبش ويسمى قينان بن يافث ويسمى يافش بن شيث بن آدم .
نلاحظ أن هناك تعليقاً تفضل به صاحب المكتبة الشيخ علي آل كاشف الغطاء هذا نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم، إن هذا النسب قد حققناه فوجدناه صحيحاً عليه آثار المجد والعزة، وإن آل كاشف الغطاء يلتقون بهم «آل الصفار» في المرحوم هديب حيث إن جدهم الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر بن محمد بن يحيى بن مطر بن سيف الدين المالكي بن هديب..
الشيخ علي كاشف الغطاء
في نهاية الكتابة وضع ختمه الشخصي أسفل الكتابة، مع ختم تصنيف المكتبة.
مع ملاحظة أن هناك بعض الأشكال على هذه السلسلة القرابية للمؤلف باعتبار أن الطبقة تحتاج إلى أقل من ستين عاماً فالقرن هنا قد يحتمل ثلاثة أو أربعة أجيال. والأسماء التي أوردها من الواضح أنها لا تفي هذا الجانب حقه. إلا أننا نوردها كما وردت في هذه المخطوطة من أجل الأمانة العلمية، وقد تكون هناك أهداف وأفكار أخرى لم نتوصل لها في هذا الوقت، ربما يتوصل إليها بعض أبناء الجيل القادم.
كان الحاج محمد صالح، قد تربى تربية صالحة ونبغ في العلم والأدب، فإضافة إلى أنه كان يقرض الشعر وله علم بالأنواء والنجوم يرجع إليه الناس لتحديد وقت الزواج، والوقت المناسب للسكن في البيت الجديد... وغيره
مارس مهنة التدريس في الكتاتيب قبل وبعد وصول التعليم الحكومي وأنا «شخصيا، وغيري» اعتز بأنني ممن درسوا على يده، ولم يكن الدرس يقتصر على القرآن الكريم، إنما كان يتخلله دروسا في الرياضيات والإملاء.
وكان المرحوم الصفار يكتب ما يطلق عليه في ذلك الوقت «المجاميع» للنساء للقراءة الحسينية إضافة إلى كتابة الوصايا وأوراق المبايعات والاتفاقات وكل ما يحتاجه المجتمع منه، فهو يكتب بخط جميل تميز كتابته من بين عشرات الكتابات، ويستخدم سابقا أقلام القصب للكتابة.
كما عُرف عنه أنه طبيب شعبي ملم ببعض الأدوية الشعبية، وفي الواقع أني لم أشاهده في حياتي يمارس هذا النوع من الطب، ولربما علمه بالأنواء والأنجم أهَّلاه لمعالجة بعض الأخطاء الاجتماعية غير المحسوبة، وله إلمام بالمعالجة بالقرآن الكريم
في الواقع لم يكن الحاج محمد صالح الصفار متفرغا للكتابة، فهو مشغول بتعليم القراءة والكتابة للأطفال، وكتابة المجاميع والرداديات، إضافة لذلك يقوم بتجليد الكتب، وما كان يطلق عليه في ذلك الوقت «ربينة الكتب» ولا أعرف من أين جاء هذا المصطلح.
وعلى الرغم أنني لم أعايشه إلا في نهاية عمره الشريف، إلا أن الواضح أن الحاج محمد صالح الصفار، كان اجتماعيا، ومسليا في عشرته اليومية مع الناس، يحب العلاقات الاجتماعية، عندما يضع يده في مهنة يتقنها، ومع عدم التفرغ إلا أنه وجد نفسه يرسم هذا الجدول الذي بين أيدينا وغيره... فحسب علمي فإن المرحوم محمد صالح الصفار قام بكتابة مجموعة من المخطوطات الجميلة وهي:
1/زهرات المنازل القمرية، عن سعود الأيام ونحوسها.
2/ زهرات الأهلة «بين أيدينا»... والفرز جاء من قبلي لأن جدوله الحسابي لأهلة الشهور العربية لوحده، وإلا فإنه وضعه ضمن وريقات «زهرات المنازل القمرية»
3/ حياة السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب .
إلا أن المؤلف لا يرى في نفسه إلا مكملا، أو شارحا وينسب الفضل لأهله، ففي داخل هذه مخطوطة «زهرات المنازل القمرية» يعترف المؤلف بالفضل في هذه المخطوطة إلى حديث الإمام الصادق ، ويرى أن كل هذه العلوم إنما جاءت من هذا الحديث، كما يذكر كتّاباً ومؤرخين آخرين كتبوا في هذا الجانب سواء من البلاد وخارجها فلقد أورد في هذه المخطوطة
1/ الإمام جعفر بن محمد الصادق .
2/ العلامة الشيخ رضي الصفار
3/ العلامة الشيخ رضي المحروس
4/ العلامة القزويني صاحب كتاب عجائب الحيوان
5/ العلامة المرحوم الشيخ فرج العمران
ونرى أن دور المؤلف هو الشرح والتبسيط والتفصيل، وهذا جانب هامّ وليس هامشيًّا
فالجهد المبذول في شرح وتبسيط وجدولة المعلومات لا يقل أهمية وجهدا من الأول.
في الحقيقة ان جدول الحاج محمد صالح الصفار الذي بين أيدينا، ينقسم بشكل رئيسي الى قسمين.
1/ الجزء السفلي من الجدول..
وضع الكاتب الصفار فيه السنوات من العام 1405 إلى 1536 هجرية، وأعطى لكل عام رقما فالعام 1405 هجرية «مثالا» كتب في أسفله الرقم «5»، ووضع أسفل العام 1406 هجرية الرقم «6»، وهكذا يعد الأرقام إلى العدد «8» ويعود من جديد إلى الرقم «1» كيف اختار هذه الأرقام أنا لا أعرف، وقد يكون الترقيم عشوائي، أو يكون منتظما، أو بتتبع سير الهلال في السنوات الماضية، المهم أن له ارتباط كبير بالجدول العلوي.
2/ الجزء العلوي من الجدول..
وضع الكاتب فيه جدولا بأيام الأسبوع، ووضع في أعلى الجدول الأشهر العربية الهجرية متتالية بشكل مرتب، كيف وزع هذه الأيام؟، على أي قاعدة سار في ذلك؟ هل هي يوم واحد، وترك يومين، هذا ما فهمته في البداية، لكنه سرعان ما كسر هذه القاعدة، فلو توصلنا إلى قاعدة توزيع الأيام فسيسهل بعد ذلك، مواصلة هذا الجدول، سأكرر المحاولة علني أصل إلى القاعدة الحسابية المستخدمة «صورة من إحدى محاولاتي».
3/ العملية الحسابية لمعرفة الهلال
بعد هذا التفصيل أصبحت العملية واضحة، فسنجد «على سبيل المثال» أن العام الحالي 1442 يأخذ الرقم «2»، سنذهب إلى شهر شوال ونعد من أسفله يومين، سنجد أن الرقم الثاني هو يوم «الجمعة» فالجمعة هو أول أيام العيد، وهكذا في بقية الشهور.. هذا ما أردنا توضيحه، والسلام.