آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

الهواجس السامة

ياسين آل خليل

لماذا يمضي العديد من الناس جزءًا كبيرًا من وقتهم في التفكير في ما قد يعتمر في رؤوس غيرهم من البشر..؟ لماذا ينتاب هؤلاء الناس شعور بأن شغل الآخرين الشاغل هو مراقبتهم والحكم على تصرفاتهم وإن لم يكن بينهم تواصلٌ يُذكر..؟ يا ترى ماهي الأسباب التي تُوهم هؤلاء الناس وتجعلهم مهووسين بالآخرين وما يدور في عقولهم، هل هو عدم الأمان الشخصي أم هي الغيرة أو الخوف من المجهول..!

إذا أخذنا بفرضية أن البعض من الناس يمضون جُلّ وقتهم في التفكير في الآخرين، فهل يبقى لهؤلاء من وقت ليهتموا بأنفسهم..؟ أليس لهؤلاء الأفراد مشاكلهم الخاصة التي يتوجب عليهم إيجاد الحلول لها..؟ أليس لديهم معاركهم التي عليهم خوضها والخروج منها منتصرين..! أو أن هؤلاء البشر فقدوا بوصلتهم ولم يعد لهم وجهة محددة تخرجهم مما هم فيه من تِيْه..!

الناس لديهم الكثير من المشاغل الحياتية، الأسرية منها أو ما هو مختص بالعمل. المسؤوليات هذه على صغرها أو كبرها تشكّل هاجسًا كبيرًا وضغوطًا جسيمة لا يعلم آثارها إلا الله. هذه الالتزامات وغيرها من المفترض أن تجعل الفرد مكتفٍ ذاتيًا بما لديه من معضلات، وواعيًا بأن زيادتها لن يجلب لحياته إلا المزيد من التعقيد والتوتر.

عندما يخوض هؤلاء الناس معاركهم الخاصة، فمن الطبيعي أنه لن يتبقى لديهم فائض من الوقت والطاقة ليفكروا بالآخرين. مخزون الناس من الطاقة بالكاد يكفيهم لإيجاد مخرج لما هم فيه من ضيق..! تَفهُمنا لأوضاع البشر وما يمرون به من أزمات، يسمح لنا ويعطينا فرصة التحرر من مخاوفنا من الآخرين وما يدور في عقولهم.

لا تفكر ولو للحظة، أن بعض الناس ممن لديهم الوعي الكافي قد يشغلون أنفسهم بما تفعله أنت أو غيرك..! أنت لديك معركتك التي تخوضها لإنجاز أهدافك الخاصة بك وهم كذلك. لكن ماذا لو أخذنا بفرضية أن الآخرين لديهم أجندتهم الخاصة بهم، وهذا هو واقع الحال، هل تعتقد أنهم سَيلتفتون إليك ليتابعوا تحركاتك على مدار الساعة. الناس بالكاد لديهم القدرة على متابعة وإدارة أمور دنياهم وهذا كافٍ لإشغالهم طوال الوقت. فأنت بالنسبة لهم قد لا يكون لك تأثير يذكر في دنياهم. فلماذا يشغلون أنفسهم بك..!

يا من تعتقد أن الناس مشغولة بك وأنك في أولويات مهامهم، إعلم مؤكدا وقطعًا أن لا أحد يفكر فيك بقدر ما تفكر أنت بذاتك. سبق وقلت لك أن الناس لديها ما يكفيها من مشاغل ولا يهمها البتة إذا ما كنت على سطح الأرض أو تحت الثرى..!، أليس هذا هو واقع الحال؟

خاتمة الحديث، في اللحظة التي تبدأ فيها بالتساؤل عما إذا كنت تستحق الأفضل، تجنب الأشخاص الذين تعتقد أنهم مهووسين بالعبث برأسك كما تظن، ويتصرفون كما لو أنهم لا يعلمون. أنت تعلم أن لا أحد لديه أدنى اهتمام بك بقدر اهتمامك بنفسك. مطاردتك لأَوهام غير ظاهرية أو ملموسة ستنتهي بك دون شك خالي الوفاض. أنت لديك حياة واحدة ووقتًا محدود، فلا تعطي الهواجس السامة قدرًا كبيرًا من الأهمية، لأنها في النهاية إما أن تترُكك مُستاءً، أو تقودك إلى سراب.