حماية المُحب
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ الحج - 38
إن هذه الآية تحمل معاني سامية راقية عالية جليلة القدر لاتدركها عقولنا المتواضعة والقاصرة.
ولكن من المؤكد أنها تستوجب منا الكثير من العمل وجهاد النفس وتزكيتها وتطهيرها والمعاناة معها وترويضها حتى نصل لمعنى الإيمان الحقيقي وندخل في ضمن دائرة الذين يدافع عنهم الله.
الإيمان الذي قال عنه الرسول الأكرم ﷺ «أنه في عشرة: المعرفة، والطاعة، والعلم، والعمل، والورع، والاجتهاد، والصبر، واليقين، والرضا، والتسليم»
أن نعيش المعنى الحقيقي للإيمان ونتجلبب بهذه الصفات فيدخل نور الله في قلوبنا ونرى الأشياء بحقائقها هو أبلغ بكثير من أن نصفصف الكلمات في المعنى فقط.
أن نعيش صابرين، طائعين، مطمئنين، متوكلين، نتحسس رعاية الله لنا، وتلطفه علينا، ورحمته بنا، ودفاعه عنا،
ذلك والله هو المبتغى العالي والشرف العظيم.
وهل هناك أجمل وأجل وأعز من هذا الدفاع، دفاع القوي الجبار عن العبد الضعيف.
يا لها من رعاية خاصة يمنحها ويتكفل بها المولى بلطفه ورحمته وعنايته على عباده المؤمنين، ولا تسل عن الخير الذي سيصيبك والفضل الذي سينالك إن دخلت ضمن هذه الدائرة «دائرة المُحبين»
حاجتنا لمثل هذا الدفاع كحاجة أجسامنا لجهاز المناعة الذي يقاوم الفيروسات والجراثيم والطفيليات والجسيمات الغريبة والخلايا السرطانية، والتي لولاه لضعف ومرض وقد يكون الهلاك مصيره.
وكحاجة البشر للعلم النافع الذي يبني العقول ويرفع من قيمة الإنسان وينهض بالأمم ويحل معضلاتهم ويواجه مشكلاتهم.
وكحاجة كل الدول لأسلحة ومعدات متطورة وأجهزة رصد تؤمن حدودها وتحافظ على سيادتها وسِلْمها ضد الاعداء والمباغتين..
إن هذا الدفاع هو نتيجة الحب،
أنت تحب الله تدافع عن قيمه، مبادئه، تحْمل همّ دينه.
الله سبحانه وتعالى يُحبك وسيدافع عنك، وسيكفيك بقية الهموم ويُسَخر الكون كله لأجلك.
قال صلّى الله عليه وآله: «مَن آثَرَ مَحَبَّةَ اللهِ عَلى مَحَبَّةِ نَفسِهِ كَفاهُ اللهُ مُؤنَةَ النّاسِ»
الآية تقول «يُدَافِعُ» ولم تقل يَدفع لأن دافع مصدره المُدافعة، والمُدافعة أبلغ من الدفاع.
ومعنى دافع عنه: حامى عنه، وانتصر له ونجّاه، كما في قواميس اللغه العربية.
وهذه المعاني الساميه للدفاع لايتذوقها إلا المؤمنون حقاً فهم يشعرون بدفاع الله عنهم وحمايته وحفظه المنيع لهم سواء على:
المستوى العام في المعارك والحروب والقتال وهذا ما نشاهده ونسمع به ونعايشه أحياناً، فالله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين بمقارعة الظلم والتصدي له والاستعداد لمقاومته وذلك بالتهيئة للدفاع عن أنفسهم وتمكينهم من وسائل الجهاد والعتاد، ومن ثم يأذن لهم بالقتال لرد العدوان.
ولكنه قبل ذلك الإذن يطمئنهم ويبشرهم ويربط على قلوبهم بأنهم في حمايته وأنه سيتولى الدفاع عنهم ويكف عنهم كيد الأعداء بشرط أن يكون الاستعداد فِعْلي من قبلهم كما هو في محضر هذه الآية الكريمة وما بعدها.
مستوى الفرد في القضايا الخاصة فإن لكل مؤمن من هذه المدافعة نصيب بحسب درجة إيمانه وقُربه من الله، كلما ازدادت المعرفة ازداد منسوب الحب لله في قلوبنا فازددنا قرباً فيزداد الدفاع من قِبله عز وجل.
ولو كُشف لنا الغطاء لرأينا رحمة الله تتغشانا ولطفه يلفنا ويشملنا في أدق تفاصيل حياتنا حتى التي لاتُسمع ولا تُرى.
فكم من فادح من البلاء أقلته، وكم من عثار وقيته،وكم من مكروه دفعته.
«همسة»
هذه الثقافة «ثقافة حب الله للعباد ودفاعه عنهم» ينبغي أن تُفعّل وتُنشر لأنها بالعنوان العريض تجعلنا نستشعر عناية الله الدافئة لنا وإحاطته وحمايته ومعيته وقربه منا، فنعيش معنى الأُنس والطمأنينة في رحابه وعلى بساط قُربه، وكل ذلك مايزيدنا إلا شوقا إليه وحُبا في لقائه.
ومن كحُب أمير المؤمنين علي لله،عاش حياته كلها مع الله ولله وفي الله، انطبع الإيمان في كل مسيرته وفكره ومشاعره.
جعل حياته وبذلها وباعها في سبيل الله، لذلك عندما حاول أعداؤه اخفات نوره وعظمته أو إطفاؤها، أخذ هذا النور يتسامى رفعة وشرفاً وعلواً، لأن هذا العلو وهذه الرفعة يكتسبها من الله، نعم إن هذا النور هو نور المخلوق المنبعث من نور الخالق، نور ناصر دين الله، والله ناصره ومدافع عنه ورافع ذكره إلى قيام يوم الدين.