هل الضربة التي لا تقتلك تقويك؟ كيف، ومتى، ولماذا 5
تعرضنا لثلاث نظريات عن النمو التالي للصدمة. في المقال رقم 4، نظريتين منها للباحثين لينلي وجوزيف والثالثة للباحث ماك آدمز. في هذا المقال، سنتعرض للنظرية الرابعة والأخيرة ومن ثم سنناقش جميع النظريات الأربع ونعطي خلاصة نبني عليها حديثنا المتواصل عن النمو التالي للصدمة.
النظرية الرابعة للباحث هوبفول «Hobfoll» وزملائه «انظر إلى 1» والذي يشار إليها بنظرية التغير السلوكي التالي للصدمة.
تضيف هذه النظرية بعدًا آخر لفهمنا لمفهوم النمو التالي للصدمة وهذا البعد يسميه أصحاب هذه النظرية ”النمو ذو الطابع العملي“ «action-focused growth». أي أن يأتي النمو نتيجة لعملية نشطة ينخرط فيها الشخص بعد تعرضه لصدمة ما. وهذه التسمية تهدف أيضا للتمييز بين النمو الفعلي «actual growth» وبين النمو الذي يتصوره أو يأمله «perceived growth» وذلك من خلال ملاحظة سلوك هذا الشخص. يرى أصحاب هذه النظرية أن الضغوط النفسية التي تلي الصدمة هي نتيجة العبء والضغط الكبير الذي يفوق الموارد والقوى النفسية للشخص «تُعرف الموارد بالمساندة الاجتماعية والنظرة الإيجابية للنفس والصحة البدنية والنفسية بشكل عام».
بالنسبة للنوع الأول من النمو «النمو الفعلي» هو الذي يحدث تغييرًا إيجابيًا في شخصية المصاب، وهذا التغيير يتمظهر في سلوكيات إيجابية، بدورها تساعد على تقليل حدة الصدمة وإنهاء العواطف والسلوكيات السلبية التي أفرزتها.
لا بد من الإشارة إلى أن هذه النظرية توسع ما جادت به نظريات ”صنع المعنى“ meaning-making «أي كيف يفسر الشخص أو يفهم أحداث الحياة» وإعادة البناء الادراكيي cognitive restructuring «وهي عملية علاجية نفسية لتعلم كيف يتعرف الشخص على الأفكار غير المنطقية - مثل تلك التي تجري في حالة الانفصام - ومناقشتها» تعلم كيف وذلك عن طريق التركيز على الاعتقاد والنظر إلى النتائج على أنها مرتبطة بسلوكيات النمو بعد الصدمة وهذا في نظر هؤلاء الباحثين هو ما يمثل النمو الفعلي وليس النمو المزعوم.
يعترف أصحاب هذه النظرية بأن النوع الثاني من النمو «النمو المتصور perceived growth» له فوائد قصيرة الأمد تعين المصاب على مكابدة الصدمة. والتعامل معها، ولكنه إذا لم يتجاوز ساحة تصور العمل النشط والإستراتيجي والتطلع إليه للتخلص من أثار الصدمة المدمرة للصحة النفسية والبدنية فإنه لن يحدث أي تغيير بعيد المدى في شخصية المصاب.
خلاصة وتقييم للنظريات الأربع
من باب إنعاش ذاكرة القارئ، هذا تلخيص سريع للنظريات الأربع التي ناقشناها:
1. تيديشي وكلهون Tedeschi & Calhoun: «النمو ينطوي على خمس خصائص: تحسن في العلاقات الاجتماعية والشعور بهدفية الحياة والشعور بالقوة الذاتية ونمو في الجانب الروحي والنظر إلى الحياة بمشاعر حب ورغبة وأمل».
2. لينلي وجوزيف Linley & Joseph: «النمو يتضمن تقييم المصاب لذاته ويشمل مشاعر الرضا عن حياته، والتقييم الموضوعي ويشمل الشعور بهدفية ومعنى الحياة، والشعور بالاستقلالية».
3. ماك آدمز Macadams: «ثلاث مستويات للشخصية: الطباع، والاهتمامات الشخصية والسرديات الشخصية» ويركز على سرديات الخلاص كطريق للوصول إلى النمو التالي للصدمة.
4. هوب فولز: النمو الإيجابي المرتبط بنشاط وعمل «التركيز على العمل النشط والواعي للحصول على التغييرات الإيجابية» مقارنة بالنمو الذي يكون حبيس التصور والتطلعات والأمال.
بشكل مباشر أو غير مباشر، يأخذ أصحاب هذه النظريات الأربع ويؤكدون على الأوصاف الخمسة الواردة في نظرية تيديشي وكلهون، وذكر لينلي وجوزيف بأن أكثر من 70٪ من الذين تغلبوا على المحن التي مروا بها أحرزوا تغيرات إيجابية على الأقل في واحد من هذه الأوصاف الخمسة.
نظرة شاملة على هذه النظريات الأربع تعطينا صورة شبه كاملة عن مفهوم النمو التالي للصدمة كعملية إجرائية وكنتيجة. تصنيف لينلي وجوزيف النمو بالموضوعي وغير الموضوعي وربط كل منهما بالأوصاف الخمسة لتديشي وكلهون يعطينا القدرة على معرفة جوانب معينة ومحددة للنمو في ظل الأوصاف الخمسة العامة. ايضا، نظرية ماك آدمز والتي تندرج تحت نظريات اعادة البناء الادراكي هي طريق لفهم حالة النمو التالي للصدمة ومفتاح للتعرف على الآلية الإدراكية التي تساعد على تحقق النمو. هناك دور هام للتركيز على السرديات الشخصية، حيث يزود الباحث والمرشد أو المعالج النفسي لطريقة لمعرفة النقاط المهمة والتوصيفات التفصيلية للحدث أو الأحداث التي أدت إلى الصدمة النفسية. البعض يبالغ في السرد والبعض ينكر بعض التفاصيل الهامة والبعض يستعرض فروسية رومانسية اشبه بالملحمة الذاتية، وكل هذه الأمور المتعلقة بالسردية تساعد على اعادة البناء الادراكي للمصاب بالصدمة ليتجاوزها ويتخلص من كوابيسها.
أما النظرية الرابعة التي تعرضنا لها في مقال اليوم تركز على دور الفعل وليس الاكتفاء بإعادة البتاء الإدراكي وإنما أقران تلك الإدراكات بالعمل لكي يتم التحرر من أغلال الصدمة.
في المقال القادم سنبدأ الحديث عن كيف يحدث التغيير الإيجابي الذي يؤدي تدريجيًا إلى النمو الحقيقي التالي للصدمة، فإلى لقاء قادم.
راجعه: عدنان أحمد الحاجي