هل الضربة التي لا تقتلك تقويك؟ كيف، ومتى، ولماذا 4
راجعه عدنان أحمد الحاجي
25 أبريل 2021
قبل أن نستمر في الحديث عن تعاريف أخرى لمفهوم النمو التالي للصدمة الذي تناولناه في المقال الثالث من سلسلة مقالاتنا هذه، لا بد من الإشارةً الى أننا لا نتحدث هنا عن صدمة نفسية واحدة معزولة، بل عن طيف من الصدمات النفسية، والتي يتعامل الشخص معها بحسب إدراكه وعاداته وقواه النفسية والروحية. ومن أكثر المسببات للصدمات النفسية هي التعرض للاغتصاب والاعتداء الجنسي والإهمال والعنف الجسدي اثناء مرحلة الطفولة، أو التعرض الى هجوم جسدي أو التهديد بالسلاح، أو المشاركة في اتون الحروب.
بعد أن عرّف تيديشي وكلهون «Tedeschi & Calhoun» مفهوم النمو التالي للصدمة بأنه مفهوم ينطوي على خمس خصائص إيجابية، هي:
- تحسن في العلاقات الاجتماعية للشخص
- شعور الإنسان بهدفية حياته وانفتاح آفاق رحبة أمامه
- ازدياد شعور الإنسان بقوته الذاتية
- نمو في الجانب الروحي
- النظر الى الحياة بمشاعر حب ورغبة وأمل.
نستعرض الآن نظريتين: واحدة لجوزيف ولينلي Linley. & Joseph والأخرى لـ ماك آدمز McAdams.
في ورقتهما المنشورة في عام 2004 «انظر 1»، ركز لينلي وجوزيف على التشابه بين الخصائص الخمس للنمو التي ذكرها تيديشي وكلهون أعلاه وبين الخصائص الخمس للرفاهية او الحالة النفسية الهانئة التي وضعها الباحث رف Ryff في عام 1989 م «انظر 3» وقبل ان يذكرا التعريفات الخمس لـ رف Ryff، أصر كل من جوزيف وزميله لينلي بأنه ليس ضروريًا ان يمر الإنسان بمحنة او شدة او صدمة حتى يتعافى منها ويصل الى درجة الهناء والصحة النفسية التي ذكرها تيديشي وكلهون ورف. وجهة نظر جوزيف ولينلي هي أن النمو التالي للصدمة عملية تسهل اكتساب الخصائص الإيجابية التالية كما نشرها رف عام 1989:
- تقبل الإنسان لذاته.
- بروز هدفية للحياة.
- الشعور بالسيطرة على مجريات الحياة بعد ان كان يشعر بأنه مرتهن لها.
- الشعور بالاستقلالية الذاتية.
- الشعور بالتحسن في العلاقات الاجتماعية.
الإضافة الجديدة لينلي وجوزيف هي أنهما ميزا بين شعور المرء الشخصي «اللاموضوعي» لوضعه ورفاهيته النفسية «تقييم الإنسان لذاته» وبين الوضع النفسي الموضوعي له «تقييم الآخر له». ويوضح جوزيف ولينلي الفرق بالقول بأن الشعور الذاتي للنمو التالي للصدمة «المتأتي من التقييم الشخصي لحالته» يشمل الحالات العاطفية ومشاعر الرضا العامة للمرء عن حياته، بينما الوضع النفسي الموضوعي يشمل الشعور بهدفية ومعنى الحياة بالإضافة الى الشعور بالاستقلالية. ويعتقد لينلي وجوزيف ان الصدمة قد ينتج عنها مشاعر الكآبة ولكنها ايضا قد تنبثق عنها مشاعر التقدير للحياة لدى الشخص الذي يمر بالصدمة وترفع من تمسكه بقيمه.
ماك آدمز نشر ورقة في عام 1994 «انظر 4» طرح فيها وجهة نظره عن النمو التالي للصدمة من منظور علم النفس الشخصي، وبشكل ادق من وجهة نظر تقليدية او الأسلوب السردي أي يسرد الشخص أحداث حياته لنفسه على شكل قصص الخلاص «بإعطاء التفاصيل عن تجاربه في التعامل مع التحديات والشدائد التي تنتهي بالخلاص». يرى ماك آدمز بأن للشخصية ثلاث مستويات:
- الطباع والتصرفات الشخصية،
- والاهتمامات الشخصية وتشمل أهداف وأولويات الإنسان،
- السرديات الشخصية. «القصص التي ينسجها الانسان عن تجاربه»
عوامل الثبات لهذه المستويات تختلف، ويؤكد ماك آدمز بأن المستوى الأول «الطباع والتصرفات» هي الأكثر ثباتا واستقرارًا مقارنة بالمستوى الثاني وذلك لأن اهتمامات وأولويات وأهداف الانسان أكثر عرضة للظروف فهي قد تتغير وتكون في حالة لا استقرار. وهذا هو ما يجعل الإنسان يلجأ الى سردية لحياته — اي كيف يتعامل مع المتغيرات غير المتوقعة. وهذه النقطة مهمة لفهم فكرة ووجهة نظر ماك آدمز للنمو التالي للصدمة.
وفي دراسة لبالز وماكآدمز «إنظر 4» نشرت في عام 2004، فسر المؤلفان التغيرات الإيجابية التي تلي الصدمة بعملية اعادة صياغة السردية الشخصية بهدف التكيف مع الصدمة. وهذا التعديل وإعادة صياغة السردية الشخصية هو سر التحول والتغيير الإيجابي في الإدراك والسلوك الذي يعكس حالة النمو الذي يلي الصدمة. وهناك عامل مهم في عملية التحول هذه وهي وعي وفهم الإنسان للتغيرات التي طرأت عليه جراء الصدمة تعينه على إعادة صياغة سرديته لحياته. كيف ولماذا تتم عملية اعادة السردية الشخصية سؤالان مهمان سنجيب عليهما لاحقا في مقال قادم.
انتهج ماك آدمز أسلوب المقابلة مع من تعرضوا لصدمات نفسية لجمع المعلومات التي بنى عليها نظريته. وكانت طريقته في المقابلة هو الطلب من الشخص ان يتأمل في حالات إيجابية وحالات سلبية وحالات يعتقد الشخص بأنها كانت نقاط تحول وسببت تغييرًا في مجرى حياته الى الأحسن. فسردية الخلاص او التحرر هي التي تنقل الشخص من اللقطات او التجارب السلبية الى الإيجابية. وقد يحدث العكس اي ينتقل الإنسان من حالات او تجارب إيجابية الى تجارب سلبية. ويسمي ماك آدمز هذه الحالة الأخيرة بالسردية الملوثة. ويضيف ماك آدمز بأن أكثر المرشحين للوصول الى نقطة الانتقال الى نقاط التحول نحو النمو هم من يتمتعون بنظرة إيجابية عن ذواتهم، ولديهم مشاعر الرضا عن إنتاجاتهم وإسهاماتهم وحالة الكآبة لديهم قليلة او معدومة. من احد المضامين الرئيسية لوجهة النظر هذه هو بأن التغير الذي يطرأ على الشخصية يحصل على مستوى السردية وليس على مستوى الطباع.
في المقال القادم سنتعرض لوجهة نظر أخرى وننهي التحدث عن وجهات نظر ألبا حثين عن مفهوم النمو التالي للصدمة لننتقل الى جوانب أخرى من هذا الموضوع.