صوموا أولا تصوموا بصحة وتسامح
الصيام فريضة وهو ركن من أركان الإسلام، فرض بكيفيته في شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة.
ويقصد بالصيام: «الكف عما أمر الله بالكف عنه»، ومن ذلك قيل: «صامت الخيل»، إذا كفت عن السير.
ذكر الصيام كفريضة واجبة مرة واحدة في القرآن الكريم بقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»، وقد عرفت الأقوام السابقة والديانات الصيام لكن بطرق مختلفة عن المسلمين.
صورت مفاهيم الصيام في القرآن بأنه وسيلة للتقرب من الله عز وجل، يفترض فيها الالتزام وكبح الشهوات من قوله عز وجل «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ» وقوله «وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ» وقوله «فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا»
فلسفة الصيام تتطلب كبح جموح النفس وميلها للشهوات وتعليمها الانضباط، فنحن نلتزم بوقت واحد بالامتناع من بعد أذان الفجر ونأكل «نفطر» من بعد أذان المغرب
يفترض أن يعني هذا الالتزام معاني أكبر من ضبط النفس عن الأذى لنفسه وغيره، والتغلب على الرغبات التي تثار في النفس فتتقوى بذلك الإرادة، وتقوى العزيمة حتى لا ينساق الإنسان لشهواته، ولذلك نصح رسول الله عليه الصلاة والسلام الشباب بالصوم عند عدم قدرتهم على الزواج «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
ومن ناحية طبية فالصيام له منافع كثيرة إذا اتبعت أنماط صحية لتساعد على مكافحة مشاكل شائعة منها:
• زيادة الوزن والسمنة عند تقليل السعرات الحرارية أو الالتزام بنظام صحي متوازن بحمية الصيام.
• مشاكل الجهاز الهضمي فهو فرصة لإراحة الجهاز الهضمي، وتقليل الإفرازات الهضمية، والمساعدة في الحفاظ على توازن السوائل في الجسم.
• تعزيز صحة القلب والشرايين لو كان النظام الغذائي متوازنا في نسبة الدهون والملح.
• المحافظة والسيطرة على مستويات السكر وتوازنه بالنمط الغذائي المتوازن.
• تطهير الكبد من السموم.
• التخلص من العادات الصحية الضارة مثل التدخين، إدمان الكافيين.
بالمقابل هناك فئات قد يصعب عليها الصيام لأعذار شرعية وطبية أو لصغر السن، ينبغي ألا تكره على الصيام أو تحرج لذلك، فالله تعالى كما فرض الصيام فإنه أجاز الرخصة منه ووضع الكفارات لذلك وهذا شأن بينه وبين عباده روى البخاري «1761» ومسلم «1946» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به... الحديث».
بين من يتهربون من الصيام أو يرونه فقط امتناعا عن الطعام والشراب بينما يؤذون غيرهم بالقول والفعل، نرى فئة تغالب على نفسها لتصوم رغم المشقة عليها وغالبيتهم من كبار السن ذوي الأمراض المزمنة والأطفال الراغبين بتقليد أهاليهم، وكذلك للحالات التي يرخص فيها الإفطار مثل الحيض والنفاس والإرضاع للناس، والمرض والسفر وغير ذلك من رخص شرعية منحها الله لعباده المسلمين بخلاف وجود غير مسلمين يعيشون بيننا ولا يوجب عليهم الصيام.
ننفتح اليوم على العالم، وتشجع الدولة السياحة، مع التزامها بهويتها وسيادتها وتعاليم الشريعة السمحاء، فاعتقد أن وجود أماكن للمفطرين تؤمن فيها الوجبات بحسب اختيارهم وتحفظ خصوصيتهم، وبدون جرح مشاعر الصائمين بحاجة للنظر، فعلاوة على المصلحة العامة في تأمين احتياجات غذائية أساسية لمستهلكين لهم اعتبارهم حتى في الشريعة الغراء، كما يساهم في نشر ثقافة التسامح، وتقبل الاختلاف بين الآخرين.