متعة الصلاة وشذا الركوع
هل شممت رائحة زكيّة بلغت بك الذروة؟، وتمنيت إمتلاك تلك القارورة، مهما كلفك الثمن؟، هل تذوقت لذة في الحياة فأذهبت لذتها عقلك حتى كدت أن تجن بها؟، حتى أنك تشبثت بذيولها وتمنيت أن تخلد معك في الخالدين؟
الحديث ليس عن الروائح العطرة، ولا عن المتع العابرة، إنما الحديث عن «الصلاة»، والسؤال: لماذا لا نشم شذا الركوع؟، وأريج السجود؟، لماذا لا نتذوق متعة الصلاة كما تذوقها العرفاء والعلماء؟، وكما تذوقها خير خلق الله محمد؟، هل نعلم سر السعادة التي ينهلها المتبتل؟، قال بعض العارفين: ”مساكين أهل الغفلة! خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيبَ ما فيها“، فيا ترى هل سنعرف ما أطيب ما في الدنيا؟، وهل الغافلون يدركون سعادة أهل الله ورهبان الليل؟، قال آخر: ”لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف“، فلماذا ينهض العارف من فراشه كمن لذغه عقرب، فيقف يتبتل بين يدي الله يناجيه؟، قال النبي المصطفى: ”حُبّبَ إِلَيَّ مِنْ دنياكُمُ النّساءُ والطيبُ وجُعِلَتْ قرةُ عينِي في الصّلاةِ“، أظن أن هذا الحديث لم يأتِ لذكر الطيب والنساء، إلا ليقرب لنا اللذة التي يعيشها النبي المختار في الصلاة، فنحن لا ندرك المعنويات إلا بالماديات والمحسوسات، قارورة عطر، ومفاتن امرأة، الصلاة أحلى وأبهى بل هي في عين النبي «قرة عين»، فهل سنتذوق «متعة الصلاة وشذا الركوع»؟
يقول سيد البلاغة علي بن أبي طالب، يحدث رجلًا ناسكًا عابدًا من شيعته يدعى «همام»، في خطبة له تسمى «خطبة المتقين»، يصف فيها أحوالهم وصفاتهم، فيقول فيما يقوله عنهم: ”قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لَا يَزُولُ وَزَهَادَتُهُ فِيمَا لَا يَبْقَى“، فإذا عرفنا أن قرة عين النبي «الصلاة»، فكيف سنتعامل معها؟، هل سننقرها نقر الغربان؟، أم نذروها ذرو الريح العاصف؟، أم ستكون لنا الراحة والاستجمام؟، فلقد ورد قول الحبيب الطاهر: ”أرحنا بها يا بلال“، فكيف سنقدمها للباري الجليل صفراء كالخريف؟، أم خضراء كالربيع؟، هناك من أحالها وردًا وزهورًا، وهناك من أحالها قاعًا ذميمًا صفصفًا، «الصلاة، الصلاة»، هذه آخر كلمات النبي الكريم، ثم ثنى: «وما ملكت أيمانكم»، فكيف نجعلها قرة عين؟، وقارورة عطر؟، ومتعة تفوق متع الحياة؟، إنه السهل الممتنع، فكيف سيدرك البسطاء؟، ما أدركه العرفاء؟، وذاك أطيب ما وجدوه.