كوكو شانيل
لكل فترة زمنية مقاييس معينة للجمال والموضة وعلى الرغم من خطأ اختزال الجمال في نمط معين لأن له وجوه كثيره، فكلما زاد عدم تشابهها ببعضها كلما أصبحت أكثر تميزا واختلافا، إلا أن البعض ما زال يطبقها علينا نحن النساء، بل ونطبقها على بعضنا، ليس سهلا أن تسبح عكس التيار وليس مستحيلا أن تصنع التيار، كل ما تحتاجه هو قليل من الذكاء والجرأة والجسارة.
لا أحد يستطيع أن يمنع نفسه من الحلم والتمني لكن القليل من يسعى ليحول الأحلام إلى واقع حتى لو كان ظاهرها مستحيلا، يحكى أن غابريل في عام 1895 ذات الأحد عشر سنة فقدت والدتها لتجد نفسها تساق بيد أب مستهتر إلى دير لتتربى وسط الأيتام في بيئة قاسية وما أن وصلت إلى سن الثامنة عشرة حتى ارتادت أحد المدارس التي يرتادها الفقراء لتتعلم الخياطة، لم تكن تملك سوى الأحلام التي زرعتها فيها الروايات عن القصور والثراء، ومن المدرسة إلى المسرح ومن غابريل إلى كوكو، الفنانة التي سحرت الجمهور بغنائها وأداءها، لكن هذا لم يكن كافيا ولا طريقا جيدا لتصل إلى ما تطمح إليه، ومن حظها أن يعرض عليها صديقها في المسرح بالسان أن تقيم في قصره.
في أحد الأيام وجدت نفسها أمام خزانته، لتصنع لنفسها من ملابسه الرجالية ملابس تتلاءم مع قوامها الذي لا تناسبه الفساتين الثقيلة والمشدات السائدة في تلك الأيام، مجرد قبعة قش وملابس على غرار ملابس راكبي الخيول وزيها أصبح جاهزا بل وملفتا لكل من رأها، أعجب بالسان بالزي وعرض عليها شقه له في باريس كي تبدأ عملها في صناعة قبعات القش وملابس النساء التي تشبه ملابس الرجال وتهبهن الحرية والخفة في الحركة من خامات رخيصة مثل الجورسيه لتبيعها بأسعار باهظة، وانتشر خطها المتفرد في الموضة كالنار في الهشيم لتجد الجميع يتسابقن في الاقتناء مما تصنعه ويقلدنه حتى في قصة الشعر.
تكتفي كوكو شانيل بنجاحها في عالم الموضة بل ابتكرت عطر خاص بها مكوناته من زهور عادية ومواد كيميائية ووضعت عليه علامتها المميزة التي اخترعتها، حرفين «c» متعاكسين ومتشابكين، إلا أنه لقي نجاح وتميز لا يقل عن أزياءها، وأسمته بذات رقمها في الدير الذي تربت فيه «5» ولعلها بذلك أرادت أن توصل رسالة مهمة فحواها بأننا نولد من خاصرة الألم، ونستطيع تحويل كل نقاط ضعفنا وبؤسنا إلى قوة بل قادرون على تغيير مسارات حياتنا بالإصرار والابتكار، وعلى رأي الكاتب روبرت غرين في كتابه قوانين الطبيعة البشرية فإن نجاحها كان أحد أسبابه هو ”قانون التّشهي“ الذي يقوم على صنع هالة من الغموض وكسر المألوف السائد واستثارة رغبة الآخرين في التقليد، واستغلال قابليتهم لذلك، ما فعلته كان مجرد شرارة للبدء، من الملفت للنظر بأنها لم تمنع أي أحد من تقليد أزيائها بل على العكس تركت المجال للمقلدين وكأنها تعلم بأن وجود التقليد هو إشارة بالغة الدلالة على تأثير الأصل وزيادة لحصيلة شهرته، كوكو شانيل من أهم شخصيات القرن العشرين الملهمة وأبرز مقولة لها ”أكثر أعمالك شجاعة هي التي تكون لصالح نفسك حققها واصرخ بصوت عال“.