آية الله السيد محمد باقر الشخص: علم الأحساء وأستاذ النجف
تعتبر أسرة الشخص من الأسر الأحسائية الكبيرة، المعروفة بالإيمان والتقى والصلاح، والمشهود لها بمكارم الأخلاق، ومعالي الآداب، كما أنها أسرة دين وعلم وثقافة وأدب، أنجبت الكثير من الشخصيات الكبيرة التي لها دورها البارز في مختلف الحقول، وشتى الفنون، وأثرت الساحة العلمية والفكرية والثقافية والأدبية بعطائها الكبير الغزير، ولها مساهماتها الرائدة في المشاريع الخيرية والإصلاحية والتربوية... على أكثر من صعيد وصعيد.
لقد خرّجت أسرة الشخص - عبر تاريخها الطويل - الكثيرين من الأعلام، الذين هم كالنجوم المضيئة، والأقمار المنيرة، والشموس المشرقة، بما قدموه لأمتهم ومجتمعاتهم من خدمات جليلة، أثرها بيّن، وبصماتها واضحة في شتى الحقول، ومختلف الميادين.
فطائفة منهم نفروا ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[1] ، فجدّوا واجتهدوا في طلب العلوم الدينية وتحصيلها، إلى أن قطعوا فيها شوطا كبيرا، وكان حظ بعضهم منها وفيرا، ليمارسوا بعدها دورهم الرسالي في التبليغ والتعليم والتفقيه في الدين، حتى تخرّج من مدارسهم من تخرّج من العلماء الكبار، وذوي الفضيلة العلمية.
وطائفة امتهنت الخطابة الحسينية، لتكون صوت الإمام الحسين ، والحاملة لرسالته الإسلامية العظيمة، والمعرّفة بأبعاد وأهداف ثورته الإصلاحية المظفرة، والداعية إلى نهجه المبارك بالحكمة والموعظة الحسنة.
وطائفة اتجهت إلى التخصصات الأكاديمية فحصلت على الشهادات العليا، وشغلت المناصب الكبيرة، وحضرت المؤتمرات، وقدمت الندوات، وكتبت البحوث، وأعدت الدراسات، حتى أثرت الحضارة الفكرية والعلمية والأدبية بما أثرتها به من فكر وعلم وأدب وعطاء.
وكم في هذه الأسرة المحترمة من باحثين ومؤلفين وأدباء وشعراء ومثقفين وأساتذة ومعلمين وناشطين اجتماعيين، وداعمين للمشاريع الخيرية ماديا ومعنويا، والكثير منهم يجمع بين أكثر من تخصص، ويعمل في أكثر من نشاط.
ويعتبر آية الله العلامة السيد محمد باقر الشخص أبرز أعلام هذه الأسرة البارزة، وأجلّهم قدرا، وأرفعهم منزلة، وأعظمهم مكانة، لما له من مقام علمي شامخ، ودور اجتماعي ريادي.
كانت بلدة القارة بالأحساء هي مسقط رأسه، ومكان ولادته سنة 1314 هـ[2] ، وقيل سنة 1315 هـ[3] ، وقيل سنة 1316 هـ[4] ، وفيها كانت نشأته في طفولته، إلى أن هاجر برفقة والده السيد علي وبقية إخوته إلى النجف الأشرف، مرورا بكربلاء المقدسة، وذلك سنة 1321 هـ [5] ، وقيل في حدود سنة 1323 هـ [6] ، ليقضي حياته في عاصمة العلم وجوار الأمير صلوات الله وسلامه عليه.
نشأ في بيت علم ودين وأدب، فانعكس ذلك على شخصيته إيجابيا، فتربّى على الإيمان والتقى، وتوجّه إلى طلب العلوم الدينية منذ صغره ونعومة أظفاره، فدرس «المقدمات» على يد الشيخ محمد علي الصندوق الدمشقي، والسيد ناصر بن السيد هاشم السلمان، الذي درس عنده معظم المقدمات والسطوح، ولازمه طيلة وجوده في النجف، وإلى أن عاد «أعني السيد ناصر» إلى الأحساء[7] .
ويؤكد ابن المترجم السيد عبد الرضا أن الشيخ الدمشقي بعد تدريسه للسيد محمد باقر أصبح - بعد عدة سنوات - من تلامذته، فحضر عنده المكاسب[8] .
أنهى السطوح والمقدمات، فحضر بحث الخارج تحت منابر أساطين العلم في عصره، كالميرزا حسين النائيني وقد أجازه بالاجتهاد[9] ، والشيخ محمد حسين الأصفهاني، ثم لازم بحوث ودروس الشيخ محمد رضا آل ياسين إلى أن أجازه بالاجتهاد[10] ، كما أجازه بالاجتهاد ممن حضر حلقات دروسهم: آغا ضياء الدين العراقي، والسيد عبد الهادي الشيرازي[11] .
وفي وصف نبوغه واجتهاده في الدراسة والتحصيل يقول العلامة الشيخ محمد حرز الدين: «... هاجر إلى النجف وهو صبي حدود سنة 1323 هـ ، قرأ المقدمات في النجف وأكملها فيه، وكان نابها، مجدا في تحصيله، كنت أتوسّم فيه النبوغ والعلم والرقي إلى الاجتهاد حينما كان يأتي إلى مجلسنا بصحبة العالم الجليل: السيد ناصر بن السيد هاشم المبرزي الأحسائي، وبعد أصبح من أهل الفضيلة والقداسة، وسمعت أنه يحضر بحث الميرزا النائيني، ويكتب دروسه بإتقان ورغبة»[12] .
ويعلّق الشيخ محمد حرز الدين على كلام جده هذا فيقول: «كان مجتهدا فاضلا، وعالما عاملا، ومدرسا بارعا، على جانب عظيم من التقى والصلاح والورع، تتلمذ على أشهر علماء عصره، فقد حضر أبحاث آيات الله العظام...»[13] .
كان مثالا حيّا للعالم العامل بعلمه، المطبّق - عمليا - لحديث: «زكاة العلم إنفاقه» فاشتغل بالتدريس اشتغالا كبيرا، حتى أصبح من أهم وأكبر أساتذة النجف، وأكثرهم تدريسا، إذ أمضى ما يربو على الأربعين عاما من عمره في تدريس السطوح العالية، وبحوث الخارج، حتى وصفه السيد حسن الأمين بأنه «من أبرز أساتذة الفقه والأصول في النجف الأشرف»[14] .
والشيخ محمد حرز الدين من تلامذته، وقد وصف مدى اهتمامه بدرسه وإقباله عليه بقوله: «كان رحمه الله لا يملّ من التدريس ولا يكلّ، تخرّج عليه الكثير من الأفاضل، وقرأت عليه الأصول اللفظية، وهو ملخص ما كتبه على الكفاية، وقرأت عليه كتاب الرسائل في دورة واسعة، وحضرت بحثه في الفقه خارجا عنوان شرح التبصرة، وكان حضوري عليه حدود عشر سنين، وكان رحمه الله كثير الإيضاح، متتبعا لأقوال العلماء وآرائهم، وكثيرا ما ينقل لنا آراء أستاذه آل ياسين قدس سره...»[15] .
ويؤكد نجله السيد عبد الرضا على أنه «يُعد من أبرز أساتذة السطوح العليا باللغة العربية في النجف الأشرف، فقد درّس جيلين من الطلبة، جيل الآباء، وجيل الأبناء، فالكفاية درّسها 40 دورة، والمكاسب 18 دورة، والرسائل 18 دورة»[16] .
وفي رأي الشيخ محمد بن محمد المهنا أنه «كان أهلا للمرجعية، يأتي في مصاف السيد الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد عبد الهادي الشيرازي، ولم ينصب بحث خارج لأحد علماء الأحساء في صحن أمير المؤمنين لغيره، وكان يحضر بحثه الإيرانيون والعراقيون والبحرانيون»[17] .
وقد تتلمذ على يديه، وتخرّج من مدرسته الكثيرون، وفيهم من أصبح من المجتهدين الكبار، أو ذوي الفضيلة العلمية العالية، وممن خدموا الدين والعلم بتدريسهم، ومؤلفاتهم[18] ، وقد أشار حفيده السيد هاشم إلى أنه «بلغ درجة الاجتهاد في العلوم الشرعية مبكرا، وله العديد من التلامذة الذين يشار لهم بالبنان في مستوياتهم العلمية والأدبية مثل: المرحوم الشيخ باقر أبو خمسين، والشيخ عبد الحميد الخطي، والشيخ علي المرهون، والسيد محمد باقر الصدر، والمؤرخ الشيخ باقر شريف القرشي، والشيخ محمد جواد مغنية، يرحمهم الله جميعا»[19] .
كما كان شديد الولاء لأجداده الطاهرين، حريصا على نشر فضائلهم، وإحياء أمرهم، وقد ذكرنا في بعض مؤلفاتنا[20] : «أنه كان يقيم مأتما حسينيا في منزله عصر كل يوم خميس، ويحضره لفيف من كبار وأجلّة العلماء، كالشيخ إبراهيم الكرباسي، والشيخ محمد علي الخماسي، والشيخ عباس الرميثي، والسيد طاهر بن السيد هاشم السلمان، وغيرهم من العلماء، وبعد الفراغ من التعزية الحسينية كان السيد طاهر يطرح مسألة من المسائل العلمية، ويدور الحوار حولها»
وقد شهد له كل من عايشه وعاصره بأنه على درجة عالية جدا من الإيمان والورع والتقى، وسمو الأخلاق ومكارم الآداب[21] ، حتى وصفه معاصره الأستاذ علي الخاقاني بأنه: «من الشخصيات العلمية الفذة، الهادئة بطبعها، المميزة بسلوكها، المعروفة بورعها وتقاها، له سلوك متين، وسيرة مثلى، وأخلاق فاضلة، عاشرته زمنا فوجدته ورعا تقيا نقيا...»[22] ، وأنه: «عُرف بالتقوى والورع والتواضع، يؤثر الانصراف إلى علمه وصلاح نفسه والعزلة على الدخول في التحزبات الاجتماعية، وكل ما يمسّ عقيدته وصفاء نفسه»[23] .
وكان هو رحمه الله والعلامة الشيخ محمد حسن بن الشيخ محسن الجواهري المتوفى سنة 1408 هـ وراء تأسيس «جماعة العلماء» حين الغزو الشيوعي الإلحادي للعراق، وذلك بقصد مكافحته ومواجهته، والحد من أثره الفكري والأخلاقي والاجتماعي على الشعب العراقي الأصيل.
ومن أهم وأبرز أعضائها: الشيخ مرتضى آل ياسين وهو عميدها ورئيسها بالانتخاب، والسيد محمد تقي آل بحر العلوم، والسيد موسى آل بحر العلوم، والشيخ محمد رضا المظفر، والشيخ خضر بن الشيخ عباس الدجيلي، والسيد إسماعيل الصدر ”أخو الشهيد الصدر“ والسيد محمد جمال الهاشمي.
وعُقد أول اجتماع لها في منزله رحمه الله، وذلك في أوائل سنة 1378 هـ على نحو التقريب[24] ، وفي اليوم الثالث من شهر شعبان من العام نفسه، وفي حفل ذكرى مولد الإمام الحسين الذي أقيم في المسجد الهندي تمّ الإعلان الرسمي عن هذه الجماعة، وتلا الشيخ محمد حسن الجواهري بيانها الأول.
وقد حظيت هذه الجماعة بمباركة وتأييد كبار العلماء، كالسيد الحكيم، والسيد محمود الشاهرودي، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد عبد الله الشيرازي، والشيخ عبد الكريم الجزائري، وغيرهم [25] ، كما قامت بعدة أنشطة، وأصدرت عدة نشرات، ومن أبرز أنشطتها إصدارها «مجلة الأضواء» لتكون لسانها المتكلم باسمها، المعبّر عن رؤيتها، الموضّح لمنهجها في مواجهة ذلك الغزو الآثم، مما يكشف لنا شيئا بسيطا عن الدور الكبير للعلماء في مواجهة الاستعمار السياسي للدول، والغزو الفكري للعقول[26] .
أيضا كان السيد محمد باقر الشخص من المهتمين بجمع الكتب واقتنائها، حتى كوّن مكتبة ضخمة، تضمّ ما يزيد عن العشرة آلاف كتاب، ولكن المؤسف حقا أن هذه المكتبة بما تحويه من نفائس الكتب قد تمت مصادرتها من قبل النظام، الذي كان يلاحق الخطيب السيد محمد حسن الشخص، إلى حد مداهمة بيت عمه بحثا عنه، وحين لم يجدوه انتقموا منه بمصادرة مكتبة عمه السيد محمد باقر[27] .
وله عدة مؤلفات كانت محفوظة عند ابن أخيه السيد محمد حسن الشخص، وقد رآها عنده الشيخ محمد حسين حرز الدين[28] ، ولكن المؤسف أنه تم التخلص منها بإلقائها في بئر خشية من الضغوط الكبيرة التي كانت الحكومة تمارسها على العلماء، كما سنوضح ذلك في مستقبل هذا الكتاب[29] .
وهو أيضا أديب وشاعر، لكنه «مقلّ في نظمه»[30] ، ذكر علي الخاقاني له ثلاث قصائد، نقلها عنه السيد هاشم الشخص مقدما لها بقوله: «كان أديبا شاعرا، لكنه كان مقلا، ولم يكن يعتني بشعره، شأنه شأن الكثيرين من كبار العلماء ممن غلب عليهم جانب الفقاهة والعلم، وليس بيدنا الآن من شعره إلا ثلاث مقطوعات، سجلها له الشيخ علي الخاقاني في شعراء الغري...»[31] .
والأولى من هذه القصائد أرجوزة في رحلته إلى الحج، والثانية في مدح السيد محمد بن الإمام علي الهادي المعروف بسبع الدجيل، والثالثة في رثاء أستاذه آية الله السيد ناصر بن السيد هاشم السلمان، وهي التي ذكرها السيد محمد حسن الشخص في ص35-36 من كتابه «ذكرى العلامة السيد ناصر الأحسائي» مقدما لها بقوله: «العلامة السيد محمد باقر غني عن التعريف والإطراء، فلقد حاز على مضمار السبق في ميادين العلوم جمعاء، وضرب سهما وافرا في الأدب، ما أفهمنا أنه عالم شاعر أتقن الصناعتين، وشذّ من أتقنها!
فهو في الأدب كالأديب المتخصص، وفي العلم كالعالم المحقق، وإن قصيدته في رثاء فقيدنا الغالي خير دليل وأصدق شاهد على اعتقادنا به، بل اعتقاد كل من اتصل به فعرفه فوق ما نقول»
والذي أظنه أن سبب عدم العثور له على قصائد غير هذه الثلاث، إضافة إلى تخميسه لبيتين في رثاء الإمام الحسين، وبيتين آخرين قالهما في مجلس أدبي[32] ، ليس فقط لأنه شاعر مقل، فمهما كان الشاعر مقلا فعادة لن يصل به ذلك إلى حد ألا تكون له إلا ثلاث قصائد، وقد رأينا السيد محمد حسن الشخص يصفه بأنه «ضرب سهما وافرا في الأدب، وأنه عالم شاعر قد أتقن الصناعتين، وهو في الأدب كالأديب المتخصص»
وكذلك قول الشيخ باقر شريف القرشي: «هو من أعمدة الفكر في الفقه والأصول وتفسير القرآن، وكان من العلماء المشتغلين اللامعين، بالإضافة إلى أدبه وأشعاره...»[33] .
ويستحيل أن يتم وصفه أو وصف شعره وأدبه بمثل هذه الأوصاف استنادا فقط إلى هذه القصائد الثلاث، أضف إلى ذلك أن السيد محمد باقر كان منفتحا على الشعراء والأدباء الذين كانوا يجتمعون في بيته ينظمون الشعر، ويستمعون إلى القصائد، ويتحدثون في سائر الشؤون الأدبية، كما أشار إلى ذلك حفيده الدكتور السيد عدنان بن السيد رضا الشخص في حوار أجراه معه الأستاذ فؤاد نصر الله لمجلة الخط.
ومن يعيش هذه الأجواء، ويتم وصفه بذلك الوصف، لا يمكن أن ينحصر شعره في هذه القصائد الثلاث، ولذا فنحن نرجح أن قصائده فقدت كما فقدت مؤلفاته، بسبب الظروف العصيبة والصعبة التي كان يعيشها العلماء ورجال الدين، وما يعانونه من مضايقات وملاحقات من الجهات الأمنية، التي وصلت إلى حد إخفاء مؤلفات السيد محمد باقر، ونقلها من منزل إلى آخر خشية التفتيش والعثور عليها ومن ثم مصادرتها إلى أن أُلقيت في بئر.
وفي عام 1379 هـ ابتلي سماحته رحمه الله بمرض عضال لازمه قرابة السنتين، إلى أن اختاره الله عز وجل إلى جواره راضيا مرضيا[34]
وعن وفاته ونصب الفواتح له يقول نجله السيد عبد الرضا: «توفي رحمه الله في النجف الأشرف يوم الثامن من شهر رمضان سنة 1381 هـ ، ودفن في الصحن الحيدري الشريف، في الغرفة الرابعة من جهة الشرق بعد باب سوق الكبير، وشُيّع بكمال التبجيل والتكريم، وأُقيمت له مجالس العزاء والفواتح في العراق والخليج وسورية ولبنان وإيران، واستمرت له الفواتح في النجف الأشرف من قبل المراجع العظام إلى الأربعين، كما أُقيم له يوم الأربعين احتفال مشهود في الجامع الهندي، وقد رثاه كبار الشعراء والأدباء»[35] .
وصلى عليه السيد محسن الحكيم، «وأقامت له الهيئة العلمية الفاتحة تكريما لما له من علم وفضل، وتحقيق وأدب، وقدسية وصفاء واستقامة» [36] ، وأُصدرت بيانات النعي والعزاء من العديد من الشخصيات والجهات، منها بيان الرابطة الأدبية، الذي كان قبل تشييعه إلى مثواه الأخير، ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم.
بمزيد من اللوعة والحرقة ننعى سماحة حجة الإسلام والمسلمين آية الله السيد محمد باقر الشخص، أحد أعلام الهيئة العلمية في النجف الأشرف، ومن شخصياتها الفذة، التي كان لها أكبر الأثر في تدعيم الكيان الإسلامي، وقد عزّ فيه النظير له، وشارك في مواقفه الصارخة في وجه الظلم والظالمين.
وجمعية الرابطة الأدبية إذ تنقل هذا النبأ المؤسف إلى أبناء النجف الكرام، تأمل منهم أن يشاركوا في تشييع جثمانه عصر هذا اليوم بما يتناسب ومقامه العلمي، كما هي تعزي بهذه الخسارة العظيمة العلماء الأعلام، خاصة سماحة سيدنا آية الله العظمى السيد محسن الحكيم دامت بركاته، وإنا لله وإنا إليه راجعون»[37] .
واستمر العزاء إلى يوم الأربعين، الذي فيه أقيم له حفل تأبيني، وصفه السيد هاشم بن السيد محمد الشخص بقوله: «أُقيم له يوم أربعينه في المسجد الهندي بالنجف الأشرف احتفال كبير، شارك فيه العديد من العلماء والشعراء بكلمات وقصائد رائعة، عبّرت عمّا للفقيد العظيم من مزايا ومنزلة علمية سامية، وعمّا مُنيت به الحوزة العلمية في النجف من خسارة عظمى بفقده، إلا أنه - مع الأسف الشديد - لم تُسجل تلك القصائد والكلمات، ولم يصل بيدنا منها سوى قصيدتين... الأولى للعلامة الشاعر الشهير، الشيخ عبد المنعم الفرطوسي، والثانية للأديب الكبير محمد عبد الله الجواهري»[38]
وأمّا فقرات حفل التأبين فتكونت من:
1 - كلمة العلامة الشيخ آقا بزرك الطهراني.
2 - كلمة الدكتور عبد الرزاق محيي الدين.
3 - قصيدة الخطيب الأديب الشيخ محمد علي اليعقوبي.
4 - قصيدة الأديب الشيخ عبد المنعم الفرطوسي.
5 - قصيدة الخطيب الأديب السيد جواد شبر.
6 - قصيدة الأديب محمد عبد الله الهجري.
7 - قصيدة الشيخ محمد حسين الصغير[39] .
وبحسب إفادة حفيد آية الله السيد محمد باقر «الأديب السيد هاشم السيد عبد الرضا الشخص، وكذا إفادة السيد نزار بن السيد محمد حسن الشخص» فإن السيد محمد حسن الشخص هو الذي أشرف على حفل التأبين في الأربعين، وقام على تنظيمه.
كما تلقى السيد محمد حسن الشخص برقيات ورسائل التعزية والمواساة من الشخصيات العلمية والثقافية والأدبية، ولدينا رسالة جوابية منه إلى العلامة السيد محمد بن السيد حسين العلي، يشكر له فيها مواساته وتعزيته، افتتحها بقوله: «سماحة حجة الإسلام والمسلمين سيدنا، السيد محمد السيد حسين العلي المحترم.
بعد إهداء التحية والسؤال عن أحوالكم، والدعاء لكم بطول البقاء.
وبعد، استلمت رسالتكم الكريمة المؤرخة 24/9/1381 هـ وكانت خير رسالة مسلية ومخففة عن هذه الصدمة التي تلقيتها في حياتي، فأحدثت فيه جرحا لا أظن أنه يندمل، فإن وفاة فقيدنا الغالي الحجة رضوان الله عليه كانت خسارة، وحقا خسارة لا تعوض...»
وأشار السيد الشخص إلى ما أقيم لعمه من فواتح ومجالس عزاء، منه حفل الأربعين الذي أقيم له في المسجد الهندي فقال: «ولقد اهتز العالم الإسلامي لموته عامة...[40] خاصة، وأقيمت له عشرات الفواتح، وعطلت الأسواق، وخرجت المواكب خلف نعشه، ونعته الإذاعة الوافية، والصحف في بغداد، وأقيمت له حفلة كبرى في جامع الهندي يوم الأربعين، وكان يوما مشهودا، إذ غصّ الجامع على سعته...» إلى آخر ما قاله في رسالته المؤثرة المعبرة[41] .
رحم الله آية الله العلامة السيد محمد باقر الشخص رحمة الأبرار، وحشره مع محمد وآله الأطهار، فهو - بحق - علم الأحساء وأستاذ النجف.