آخر تحديث: 25 / 11 / 2024م - 12:28 م

سوابيط مظلمة «مجموعة قصصية»، سردية صغرى ارتبطت ارتباطا وثيقا بسردية تاريخية كبرى

سوابيط مظلمةحين تتسع مساحة المكان وتمتد أمداء الزمان وتتعدد مفاصل الحدث وتنفرج زوايا الشخصية ثلاثية الأبعاد وتنداح السردية الصغرى لتتماسّ مع محيط السردية الكبرى حضاريا وتاريخيا، وتسترخي لحظات الأزمة لتعبر محطّات عدّة، ثم تنغلق الدائرة فجأة لترتمي على رصيف اللحظة تقترب القصة القصيرة من تخوم الرواية، فالقصة الأولى من هذه المجموعة التي تحمل عنوانها الرئيس «سوابيط مظلمة» والسوابيط جمع ساباط، والساباط لغة سقيفة بين جدارين بينهما ممر ثابت، وهي حيز مكاني مهم وممتد في هذه المجموعة، وتحتل القصة الأولى هذه المساحة الأكبر في المجموعة؛ إذ تكاد تلامس تخوم الرواية؛ بل لعل مقاطعها التي تفصل بينها علامات كتابية بارزة توحي بأنها يمكن أن تتحوّل إلى فصول روائية، فمعروف أن الشريط اللغوي القصير الذي يميّز هذا اللون السردي لا يستوعب فضاء زمكانيا متسع الأرجاء؛ بل تضيق حدوده لتبرز عبر كثافة لغويّة مركّزة تنبيء عن لحظات التوتّر العسيرة التي تمر بها الشخصية؛ وليس من شك أن النص المشار إليه يتوفرعلى جملة من الخصائص التي تتميّز بها الخصائص الجوهريّة للقصة القصيرة، وأن الأمداء الزمانية الواسعة جاءت من خلال تقنية الاسترجاع «الفلاش باك» وأن عقدة الانتماء الّلوني والطبقي في سرديّتها الصغرى ارتبطت ارتباطا وثيقا بسرديّة تاريخيّة كبرى كانت موضوعا معبرا عن مأزق إنساني شكّل مفارقة كبرى على المستوى الاجتماعي، فقد اجتمعت الحرّيّة والرّق على صعيد واحد وتحولت الحرية إلى أزمة على المستوى النفسي لأنها فجّرت إشكالية الأمان المعيشي بعد التحرّر من العبوديّة فأصبحت الحرية حيرة تائهة والعبودية اطمئنانا وأمانا، مفارقة حقيقيّة؛ وليس من شك أن الكاتب قد وظّف بمهارة رمزيّة الطائر «العقعق» الذي استعصى على شرك الصياد، وجعله يتفلّت من شباكه، كما أنه وهوسجين الرق يمنح الحرية للطيور التي استعبدتها فخاخه المنصوبة، حيث أغراها ب «بحشرة العنقوش» فكان الطائر المراد صيده رمزا للمحبوبة التي علق بها قلبه وتمنّت عليه أميرة حبه أن يصطاده فبذل جهده من أجل ذلك مرارا وتكرارا مستعينا بصديقه؛ ولكنه لم يفلح وقد كان - في موازاة ذلك - قد فشل في الظفر بمعشوقته، فقد ربط اصطياده باستمالة قلب حبيبته، هذا الربط بين خطّين رئيسين في القصة: الأول سعيه لنيل رضا الحبيبة، والثاني كفاحه من اجل اصطياد طائرها الأثير الذي كلّفته بمهمة القبض عليه، فكان القلق والتوتّر وهما عماد القصة القصيرة «فن الجماعات المقهورة» كما يقول إيخنباوم، وهو يحمل هموم طبقته التي ينتمي إليها.

ويبدو الاتّساق واضحا في القصة بين ثنائيات متعدّدة تكفل التواصل والانسجام في هذا النص: العبيد والأحرار العاشق والمعشوق والطائر «العقعق» والحشرة «العنقوش» والأم الشرسة والأب الحنون والغرفة الضيقة والحقول الواسعة والفتاة السيدة وبدرية الخادمة، والزواج الناجح والحلم الفاشل، وهكذا حتى الزمن ما قبل التحرير وما بعده، زمن الملك فيصل «رحمه الله» عام 1962 وقراره بتحرير الرقيق. فمن حيث التماسك والوحدة والانسجام تبدو القصة مكتملة الأركان مهيّأة لأن تكون رواية متعددة الفصول في الوقت التي تبدو فيه قصةً مكثفة متوترة المتن محكمة البناء.