آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:11 ص

الجوع الإجتماعي

نجاة آل إبراهيم *

﴿وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ البقرة - 158

الشمس تعطي دون مقابل.

والماء يعطي الحياة دون مقابل.

والأزهار تُقدم عطورها الخلابة دون مقابل.

والأرض تأخذ البذر وتعطي الثمر دون مقابل.

والنحل يأخذ الرحيق ليعطي العسل دون مقابل.

ونحن نعيش في ظل الزحف المادي الجارف الذي يكتسح المساحات الخضراء الجميلة في حياتنا، وفي ظل التعاملات المادية الجافة التي لاتعطيك شيئاً إلا وتأخذ منك أشياء أخرى في مقابله، ينطلق بعض الأفراد كالفراش في حركتهم وجمال ألوانهم، وكالنحل في صفاته، صبورٌ، جلد، مثابر، دؤوب في سعيه يتعالى عن السفاسف، لاينتج إلا طيباً.

هكذا هو الإنسان المؤمن يتفاعل مع منظومة هذا الكون..

وإنما تعظم قيمته بمقدار مايعطيه للآخرين، لا بما يعيشه من أيام وليال.

كتب أهالي مدينة «جنوة» الإيطالية على ضريح أحد حكامها:

ولد سنة 1870 م وتوفي سنة 1920 م، وله من العمر عام واحد هو العام الذي انتفعت فيه الأمة بعطائه التطوعي.

التطوع لغة:

من تطوعَ يتطوعُ تطوعاً، ولغة تطوع أي لانَ، وتطوعَ أي تكلّف الطاعة، وتطوع بالعبادة أتى بها من دون وجوب عليه.

إصطلاحا:

هو الجهد الذي يبذله أي إنسان بلا مقابل لمجتمعه بدافع منه للإسهام في تحمل جزء من المسؤولية، رغبة منه في نيل الثواب والأجر منه سبحانه وتعالى.

التطوع من منظور عالمي:

هو عمل غير ربحي لا يقدم نظير أجر معلوم، وهو عمل غير وظيفي/مهني، يقوم به الأفراد من أجل مساعدة وتنمية مستوى معيشة الآخرين.

في دواخل كل منا جوع كبير لتحقيق ذواتنا والشعور باحترام وجودنا، ولن يتحقق اشباع هذا الجانب إلا من خلال تفاعلنا الحقيقي مع الآخرين في الحياة.

نحن نملك الكثير من الوقت وفي وسع الجميع منا أن يمنح جزء من هذا الوقت للتطوع لخدمة الآخرين، لابد أن يكون هذا العمل جزءاً من حياتنا وتفكيرنا واهتمامنا جميعا دون استثناء على اختلاف قدراتنا وشهاداتنا وأوضاعنا المالية، كلٌ منا يستطيع أن يُقدم إضافة جميلة وبصمة مميزة له في الحياة.

قال أمير المؤمنين : «فِعلُ الخير ذخيرةٌ باقية، وثمرةٌ زاكية».

العمل التطوعي بوابة واسعة للفرح والشعور العميق بالارتياح والسعادة والرضا.

الملايين من البشر ينضمون بصورة متزايدة للمؤسسات التطوعية الغربية ويسافرون لقارات العالم بحثاً عن القيمة لحياتهم والمعنى لوجودهم.

الأثرياء يتبرعون بقدر كبير من ثرواتهم لأنهم أدركوا أن المال لايصنع السعادة ولا يولّد الطمأنينة.

وقد أشارت دراسة أمريكية شاملة إلى أنه لو كان بالإمكان وضع التطوع في حبة دواء لأصبحت الأكثر مبيعاً في العالم لأنها تزيد المرء سعادة وصحة وعمراً.

وفي دراسة أخرى وُجِد التأثير الإيجابي للعمل التطوعي على صحة القلب والبدن وزيادة الثقة بالنفس والصحة العقلية والمزاج والعاطفة.

في مجتمعاتنا هناك صور كثيرة مُشرقة تشهد بصدق على نوازع العمل التطوعي الخيري المتجذرة في قلوب الكثير من أبنائنا وبناتنا..

ولكننا بحاجة لتفعيل هذه الثقافة الإنسانية على نطاق أوسع حتى لايتم العزوف عنها، ولتهيئة أكبر عدد من الأفراد للانخراط فيها، وللمحافظة على من هم تحت ظلها.

نَذْكر بعض من هذه الأساليب:

•• نشر ثقافة التطوع وتسليط الضوء على أهميته وفوائده وعوائده على الفرد والمجتمع من خلال المنابر الحسينية والمحافل الدينية والاجتماعية والاعلامية وحتى التعليمية.

•• غرس قيم الايثار وروح العمل الجماعي في نفوس أبنائنا منذ مراحل الطفولة المبكرة.

•• اخضاع المتطوعين لدورات تدريبية تساهم في رفع كفاءاتهم العملية.

•• مراعاة الظروف الخاصة للمتطوعين ورغباتهم في تحديد وقت وزمن التطوع.

•• الشباب هم وقود العمل التطوعي بقلوبهم الغضة ونفوسهم الطيبة وطاقاتهم المكنونة لنحاول جذبهم والاستفادة منهم.

الآية تقول: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيم

تعبير في غاية الروعة وإنه لتكريم مابعده تكريم للإنسان، أن يشكره الله على أعماله الخيّرة، ويجازيه في قلبه نوراً وإيماناً وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطاً، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء.

ثم بعد ذلك يُقدِم على الثواب الآجل عند ربه كاملاً موفراً دون نقصان بل مضاعفاً.

ومع أنه شاكر فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل بحسب نيته وإيمانه وتقواه، فشتّان بين من يعمل لله وبين من يعمل لمصالحه ورغباته الشخصية.

إضاءة:

للعمل التطوعي لذة، لاتحرموا أنفسكم منها.

ولاتنسوا: ”خيرُ الناسِ منِ انتفعَ به الناسُ“ الرسول الأكرم ﷺ

مسؤولة اللجنة النسائية في جامع الإمام الرضا بصفوى