مقاهي جزيرة تاروت معالم طواها الزمن
المقاهي الشعبية في جزيرة تاروت نالت شهرتها في أيام الزمن الجميل ببساطة تجهيزاتها ومحدودية الإختيار فيما يقدم فيها، وليس فيها ما هو أفضل من الشاي المُخَدَّر وأنت تحتسيه جالساً فوق كرفاية مغطاة بالحصير، وتبهرك اطلالة المقهى على ضفاف مجرى حمام تاروت الذي طواه الزمن.
أسرت المقاهي الشعبية في جزيرة تاروت روادها من الزوار المحليين قبل الأجانب الذين يأتون من الشركات الكبيرة العاملة في المنطقة لزيارة جزيرة تاروت والتعرف على التاريخ العريق الذي تحمله، وعبر زقاق السوق الشعبي فيها تصادفك المقاهي الشعبية ببساطتها التي تنبعث منها رائحة الشاي المُخَدَّر، وبلهجة تاروتية يرحب صاحب المقهى بالزوار لتلبية طلباتها المحدودة.
تعبر فوق جسر صغير من جدع النخيل يربط ضفتي حمام تاروت الذي يخترق مجراه واجهات المقاهي الشعبية فيطربك خرير الماء الذي يجري في ممراته ليسقي النخيل والأشجار، وعلى الجانبين ترى شرفات محلات الباعة مزينة بما تنتجه أرض تاروت من خضار وتمور وغيرها، وتتيح لك إطلالة ممتد على مجرى الماء وعلى مرمى البصر وأنت جالس ترتشف كاساً من الشاي المُخَدَّر تشاهد حمام تاروت ويسرح بصرك على جمال القلعة التاريخية وما حولها من بيوت في المنطقة القديمة «الديرة».
كانت المقاهي الشعبية في جزيرة تاروت معلمة تاريخية متواضعة في خدماتها يفسرها الحنين إلى الماضي التي كانت فيه تلك المقاهي تجلب الكثير من الشخصيات والزوار، ربما لبساطتها أو لأنها لم تكن طبقية بل كان يلتقي فيها الجميع من مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث تجد الشعراء والمثقفين والبحارة وعامة الناس خليطاً من عباد الله تعالى يجتمعون في المقهى دون حدود اجتماعية.
الحنين الجارف الذي أحاول فيه لمَ شتات ذكريات الماضي مع زملاء الطفولة والصبا للحديث عن المقاهي الشعبية في جزيرة تاروت، التي كان يحج لها البحارة الحالمون بالزمن الجميل ليرتاحوا من عراك الأمواج في بحار تاروت، والكادحين الذين ينفضون تعب يوماً شاقاً يكدحون فيه لطلب الرزق، واجانب يبحثون عن أماكن التراث، ولا صوت في المكان يعلو على صوت الشعراء الذين يتغزلون بتاروت حيث يقول بعضهم:
حمام تاروت عليك اليوم طيريني..
طيرٍ محنى وطير أريش العينين.
حبلت فخ الهوى أبغي أصيد لثنينِ..
صت المحنى وأخطيت بريش العينين.
محدودية المعروض في المقاهي الشعبية في الزمن الجميل ساهم في وضع سعرها في متناول الجميع، وفي ذاك الفضاء لا وجود للأطعمة والمشروبات كما هو اليوم، والاختيار محصور بين نكهات الشاي المُخَدَّر وحليب البقر الطازج الذي يجلبه المزارعين في جزيرة تاروت من خيرات ما تنتجه أبقارهم في المزارع، وتطربك محاور الخبازين من أهل البلد لتستحضرَ خبز التنور برائحته الفواحة عندما تصهره حرارة النار المشتعلة في التنور على كرب وقطع من جدوع النخلة الكريمة.
عندما نقارن المقاهي اليوم نجد أنها ليست هي المقاهي أيام زمان، إذ لم تعد روح المكان هي ذاتها حيث أن المقاهي كانت عبارة عن كرفايات من الخشب مفروشة بالحصير وتظللها سعفات النخيل الممتدة عليها التي توفر لها الظل في الأيام المشمسة والحارة، ودچيچ المكان لم تكن كما هي، وتغيرَ كل ما هو جميل في المكان أهملت عين العودة وتغطت بصخور سورها خجلاً، ودفن حمام تاروت التأريخي وترك للناس حسرةً وبالخصوص كبار السن الذين يلقون عليه التحية والسلام فجرَ كل يوم، وقلعة تاروت التاريخية والبيوت في المنطقة القديمة صارت طينة جدرانها باهتة وتهدما الكثير منها، انتهى جَمال البساتين والمزارع التي تحيط بالمكان وتصحرا المكان ولَم يعد كما كان في الزمن الجميل.
ختاماً أن المقاهي الشعبية في جزيرة تاروت كانت معلماً تاريخياً بين أزقة السوق وحمام تاروت، وكانت تحيطها النخيل والأشجار التى تضلل المكان لتصنع تاريخاً على حواف كؤوس الشاي المُخَدَّر، لتصبح مقصد الزائرين واستراحة الشعراء والكتاب والكادحين، لكن الزمن قد طواها وأصبحت ذكرى من الماضي.
كرفايات «جمع كرفاية» وهي عبارة عن قطعة من الخشب لها أربعة أرجل خشبية في كل زاوية ترفعها عن الأرض ويجلس عليها رواد المقهى.
دچيچ هنا «جمع دچة» وهي مكان مرتفع عن الأرض يجلس عليها رواد المقهى.