تأملات مائية «2»
1 - عندما كنا صغارًا، كنا نتأمل ولادة قوس قزح الجذلان، بطيف أاوانه الجذابة، في أعلى مراتب الأفق القريب؛ ونتصفح إشراقته المثيرة بإمعان وارتياح… تطربنا نسمات السعادة الغامرة؛ وتجللنا هبات الفرح الفياض، فلا خوف ينتابنا، ولا حزن يعترينا عن أداء ادوار اللعب، والانغماس الدائب في فنون اللهو… نداعبها، وتداعبنا، تمامًا، كما تسعد الأم الحنون بمداعبة ومناغاة رضيعها في دفء أحضانها الساخنة، في زهو رابعة النهار!
2 - كنا نعشق لحظات الوداعة، ونهنأ بهنيهات البراءة دومًا، ونرمقها بأريحية، متجسدة بسماحة وحلم، في وجوه الناس من حولنا؛ وفي رقاع سجل طباعهم الرصينة، وهم يتهادون مرحًا برفق في غدوهم وترحالهم، كعقارب الساعة، وخصال الطيبة الوديعة تظلهم، وطباع النخوة الرحيمة تعطر ساعات يومهم…!
3 - كنا لا نسمع، ولا نعي إلا عبارات الصدق، ونصيخ باهتمام إلى صفوة الأحاديث الشائقة الجاذبة، أينما حللنا، ممزوجة بصدى نبرات همسات ”مائية“ رخيمة مثلى، فلا نلبث إلا تغمرنا برشات الحنين، وتفيض علينا، لساعات طوال، بالدفء والانسجام في عقر مسلسلات أحلامنا الملونة، والمزدانة أصالة بمناخ أجواء أسرية جاذبة!
4 - يعز علينا تتقادم السنون، وتغير الأحوال؛ لتحدث ثلمًا بينًا في تاج بيئتنا الفاخر، وتقسو علينا غيلة بمعاول تعريتها المريبة… لتغطينا عتمة الليل بظلامه الدامس لاحقًا؛ وتسلب منا قسرًا نغم تغاريد الأطيار، وتبعدنا بغضاضة عن رقة حفيف الأشجار، وتمايل أعصان البان؛ وتحجب عنا متعة زرقة البحر، وانتصاب خضرة القرم، وشموخ حمرة الشفق!
5 - ومرحى، مرحى لزهو الصبا الولهان، ونعومة صفوف الغلمان، ورشاقة خفة الغزلان، ولهو الظباء بطلعاتهن الحسان… وبرحى لجوع جموع السباع التعيسة الضارية؛ وحمدًا لنجاة الطريدة المنهكة التائهة، مرة، في عمق أدغال شريعة الغاب؛ وشكرًا جزيلاً لحنو عطاء الطبيعة المنعم على شدة ضعف الظباء ونصرتها؛ ومرحى ثانية لصون التهام لحومها الطرية، كلقمة الثريد السائغة، وتقطيعها بأنياب العِدى!