آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

الشيخ أحمد القطري.. موجه ديني بامتياز

زكريا أبو سرير

أصعب ما يواجه الإنسان هو الانخراط في العمل الاجتماعي التطوعي، وخاصة إذا كان هذا العمل يتطلب عملا ميدانيا، ومن أصعب الأعمال التطوعية الاجتماعية النشاط الديني، أو التوجيه او الإرشاد الديني، حيث إن ممارسة النشاط الديني الثقافي، يتطلب من أصحابه امتلاك مهارات إنسانية عالية ونوعية، وأخلاق واسعة، مع خبرة اجتماعية، وعلوم دينية، وثقافة متنوعة، وانفتاح ديني واجتماعي.

الأنبياء والمرسلون والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، برغم أنهم مشاريع تبليغية الإلهية، ولقد اصطفاهم الله دون خلقه، ومنحهم العصمة عن الأخطاء، أو النزول إلى أي نوع من الموبقات، وسلحهم بكل ما يحتاجونه من دعم فكري ومعنوي ونفسي، وعلى كل الاصعدة، العلمية والمعرفية والأخلاقية والإعجازية، من المعجزات والكرامات الغير الاعتيادية للإنسان، والكثير مما نعلمه وما لا نعلمه، لهذا أمرهم ربنا عز شأنه، أن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم.

وبرغم من كل هذه العطايا والمزايا والكرم الرباني لمن اصطفاهم من عباده، أخبرنا الله والتاريخ أن بعض الأنبياء قد وفقوا بهداية البعض ممن أرسلوا إليهم، ولم يوفقوا في هداية القسم الآخر، بل نال الكثير منهم أنواع العذاب النفسي والجسدي جراء نشاطهم الديني والاجتماعي، حتى إلى درجة أن بعضا منهم قد نشر بالمناشير، حسب ما يذكر في تاريخ قصص الأنبياء ، ويروى عن نبينا الكرم محمد ﷺ قوله: ”ما أوذي نبي مثلي“ وهذا إقرار من نبينا الاكرم ﷺ على صعوبة ومشقة العمل في هذا النشاط.

إذن فالعمل الديني يعتبر من الأعمال الصعبة والشاقة، وينبغي لصاحبه أن يمتلك نفسا طويلا، ومن جهة أخرى، يعتبر ذا مسؤولية شرعية عظمة، إذ ينبغي لمن يخوض هذا العمل أن يكون قدوة حسنة، ومتفهما مسؤوليته الشرعية بأكمل وجه، ومن يخوض غمار هذه التجربة لابد أن يمتلك وعيا دينيا واجتماعيا، يمكنه من كشف النقاب عن الأحداث التي تجري خلف الكواليس، فضلا عن الظاهر منها.

سماحة الشيخ أحمد القطري، تجربته في العمل الديني والاجتماعي تجربة فريدة، حيث استطاع خلال أكثر من ثمانية عشرة عاما من تنشئة شباب متدين وفاعل ونشط، في المجالين الديني والاجتماعي، برغم اختلاف توجهاتهم الدينية والثقافية، حيث إن سماحته يمتلك سمات عديدة تؤهله خوض التجربة الدينية والاجتماعية المتنوعة فكريا، ومن أبرز تلك السمات تواضعه الشديد النابع من سعة أخلاقه، وعفويته الفطرية، التي أحبها أبناء المجتمع فيه، حيث لا تجد صعوبة في الخوض معه في أي حديث أو عمل، كذلك وعيه الديني والاجتماعي، الذي منحه الانفتاح علي الآخر، سواء على الصعيد الديني أو الاجتماعي أو الثقافي أو حتى الرياضي.

ونذكر هنا أن سماحة الشيخ أحمد القطري، عندما بدأ العمل الديني والاجتماعي في حي الحوامي، كان على وعي من الأرضية الفكرية وإبعاده الثقافية، حيث إن هذا الحي له تاريخ في النشاط الديني والاجتماعي والثقافي وما زال، وقد برز منه خيرة من الشباب والشابات، وكان له تحولات وتنوعات عديدة في العمل الديني والاجتماعي والثقافي، والشيخ أحمد من سماته أنه كان شخصية اجتماعية بارزة وجاذبة ومنفتحة، وهذه في ظني كانت أهم سمات بارزة فيه، حيث إن هذه السمات حببت أبناء الحي في فضيلته، ومكنته من إيصال رسائله الدينية والاجتماعية بسهولة إلى أدمغة فئة الشباب وجذبهم إليه.

وبرغم الجولة الصعبة التي خاضها سماحته، وهي جولة إصلاحية وتوجيهية، حيث احتضان مجموعة من الشباب من الانحرافات الأخلاقية، خاصة أن الحي، بعد أن كان يعج بالنشاط الديني والثقافي والاجتماعي، وكأنه خلية نحل، فجأة وإذا به يتوقف أو ينخفض منسوب هذا الحراك الديني والاجتماعي والثقافي، ويترك فراغا في وسط الشباب اليافع أمام طاقة هائلة، تمكنها من القيام بأعمال عديدة ونافعة للمجتمع والوطن.

هنا كان وعي سماحته في التركيز على الشباب والطاقة الشبابية واستغلالها وتوجيهها نحو العمل التطوعي الديني والاجتماعي والثقافي، حيث كان ينقص هذه الطاقة الشبابية موجه مخلص قادر على السباحة معهم أمام موجة تيار قوي قد يصفع بهم خارج الدائرة الدينية، وبوعي وايمان وإدراك سماحته بالتنوع الفكري والديني والثقافي من أبناء الحي، استطاع أن يوصل إليهم أهم رسالة وهي أنه خام العترة الطاهرة، أو كما يقول ويردد عبارته أنا خادم أيتام آل محمد ﷺ، دون تخصيص جهة على جهة أخرى، ودون تميز خط مرجعي على آخر، أو تفضيل تيار فكري على آخر، بل حاول وضع كل هذه المفردات في قالب واحد، حيث أشعر الجميع أن كل هذه المفردات عبارة عن إرث ثقافي وديني لنا جميعا، وينبغي المحافظة عليه والاستفادة منه، دون الخوض في أي مهاترات، أو تصفية حسابات بواسطة النزاعات الدينية.

وكان يعتبر أي منازعات أو مهاترات باسم الدين عبارة عن مجادلات سلبية وضارة، وهي خلاف التوجيهات الدينية الإلهية والرسولية والعلوية، مستدلا بالآية الكريمة من سورة الأنفال آية 46 حين قال عز شأنه: ”وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين“.

وكان يعتبر ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر هي السلاح المنقذ للمجتمع من التفككات الاجتماعية، ومن نشأة العداوات بين المؤمنين والمؤمنات، لهذا كان يعتبر الاختلافات الفكرية والدينية والثقافية عبارة عن قوالب من الحلوة، كل يأكل ما يرغبه ويأخذ ما يناسبه، تحت مبدأ ادخلوا في السلم كافة.

وتحت هذه الثقافة وهذا الوعي والإدراك، والحس بالمسؤولية، نجح في إعادة لملمة الشباب تحت مظلة دينية معتدلة، وبهذا التوجه استطاع مع هذه النخبة الشبابية الطيبة بالقيام بعدة أنشطة دينية واجتماعية وثقافية، حيث أسس دورات دينية على مدار السنة، وعلى كل المستويات العمرية والفئوية، من تعليم الأحكام الشرعية في الطهارة والصلاة وغيرهما، ودروس في الأخلاق، وأخذ سماحته على عاتقيه تدريس الراغبين العلوم الشرعية واللغة العربية، ومكافأة الطلاب المتفوقين دراسيا وإنتاج الخطباء الحسنيين، وهذا الجانب قد برز فيه وحقق نجاحا رائعا.

حيث بلغ عدد الخطباء الذين تخرجوا من تحت يديه العشرات، ولم يتوقف نشاطه في حسينية القلاف، بل تجاوز ذلك، حيث تم فتح بيته وأهله لخدمة المؤمنين والمؤمنات، وكانت له إسهامات اجتماعية هائلة، منها إعادة بناء مسجد الإمام المنتظر ، حيث كان مقر انطلاقة حركته التوعوية والإصلاحية الدينية والاجتماعية، قبل أن ينتقل إلى حسينية القلاف ليستمر في ممارسة دوره الديني والاجتماعي دون أي توقف، وحتى بعد انتقاله من مسجد المنتظر إلى محطته الأخيرة في حسينية الأئمة، ما زال نشاطه المتميز مستمرا وبنفس الحماس والروحية، وأكثر من ذلك، وهذا يدلك على أن سماحته يعمل بحس المسؤولية الدينية والشرعية التي عاهد الله ورسوله وأئمته في العمل في سبيله حتى آخر رمق في حياته المباركة، نسأل الله له كل التوفيق والسداد وجزاه الله عن المؤمنين والمؤمنات كل خير.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
جعفر العيد
[ جزيرة تاروت ]: 19 / 3 / 2021م - 6:58 ص
بلا شك... وبلا ريب... ان العمل الديني والاجتماعي له صعوبته، وبلا شك أن هذا المقال يسلط الضوء عن جزء بسيط من حركة الشيخ أحمد القطري (ابو مصطفى) الله يحفظه، وهو يقوم بواجبه. الديني... وهذا ديدن العلماء الرساليين... الذين يقومون بواجبهم ومن حقهم علينا الاحترام والتقدير والمساعدة ما أمكن ذلك، وجزيرة تاروت ضمت في جنباتها الرسالي الكبير العلم الحجة آلعلمة المرحوم الشيخ عبد الله المعتوق، والعلامة الحجة الشيخ حسن الصفار، وكذلك الشيخ رضي الصفار... على سبيل المثال لا الحصر، وهكذا ينور عصرنا الحاضر، المشايخ. العاملون
أمثال فضيلة الشيخ عبد الرسول البيابي فضيلة الشيخ فوزي السيف، وفضيلة الشيخ عبد الكريم الحبيل.. وغيرهم... ومنهم الشيخ الفاضل احمد القطري..فمن صغره شعلة نشاط في سماء هذه جزيرة تاروت.وفقه الله
2
....
[ القطيف ]: 23 / 3 / 2021م - 5:13 م
احسنت اخي على هذا المقال الرائع .. و لازال كما عهدناه سماحة أحمد القطري حفظه الله مفعم بالحيويه في خدمة المجتمع و المؤمنين ، كريم في الاجابة و المعلومات حفظه الله و سدد خطاه
3
....
[ القطيف ]: 23 / 3 / 2021م - 10:14 م
استاذي الفاضل استاذ زكريا اغبطك على هذا القلم البديع الذي لا اعلم هل الكلمات اطوع للقلم ام القلم اطوع لها ولكني اقول كما قالوا ان من البيان لسحر فهنيئاً لك هذا القلم البديع
وما قلته في الشيخ احمد ابي مصطفى واقع يراه الجميع ، اب للجميع الصغير و الكبير و يخدم الجميع برحابة و سعة صدر، حفظه الله و سدد خطاه و زاده علماً و قدرا