السيستاني وارث الأئمة
تصلنا الكثير من الأخبار والروايات عن مواقف أئمة أهل البيت في مختلف المشارب والموارد سواء الفكرية أو الاجتماعية أو حل الأزمات التي تعصف بالأمة والتي لا يقوى على ردها إلا هم، بما حباهم الله من ملكات وما منحهم من قدرات.
وربما يتسرب لأذهان الشباب - خصوصاً البعيدين عن الأجواء الدينية ومن أخذتهم الدنيا بملهياتها - في أن يتجرأوا بالبوح بعدم تصديق ما يرد عن أهل البيت من قدرات خارقة للعادة وقد تصل بهم النوبة أي الشباب إلى رفض ما يصل عن أهل البيت وعدم قبوله.
وها نحن قد وهبتنا السماء نموذجاً فريداً علماً وزهداً وتقوى وورعاً، ألا وهو سيد الطائفة ومرجعها الأعلى آية الله السيد السيستاني دامت أيام بركاته، والذي يعد صمام الأمان لا للعراقيين فقط بل للعالم الإسلامي أجمع.
هذه السيرة العطرة التي تفرد بها من بين أقرانه ومعاصريه ما هي إلا امتداد لخط الإمامة ومصداق جلي بأن المرجعية هي خلافة للإمام المعصوم في زمن الغيبة، رغم المحاولات من هنا وهناك لإضعاف المرجعية تارة وتشويهها أخرى، ولكن هيهات ويد الغيب تمدها وتحرسها وترعاها.
فنظرة إلى سلوك الأئمة المعصومين في زهدهم وبعدهم عن زخارف الدنيا مع ما يقع تحت أيديهم من مال الله ورغم أحقيتهم في التصرف به بما يتناسب مع شؤونهم وشؤون الأمة إلا أنك تجدهم زاهدين في ملذات الدنيا الفانية لعلمهم بحقيقتها.
وهذا المشرب ناشئ من الحديث المروي عن الإمام علي سلام الله عليه أنه قال: ”من أراد عزاً بلا عشيرة، وهيبة من غير سلطان، وغنىً من غير مال، وطاعة من غير بذل، فليتحول من ذل معصية الله إلى عزّ طاعته، فانه يجد ذلك كلّه“، وهو عينه ما نراه بجلاء للقاصي والداني والبعيد والقريب والعدو والصديق في سلوك مرجع الطائفة حرسها الله، فمن خلال لباسه الذي لا يتغير رغم تقادم السنين وما يصل إليه من الحقوق الشرعية فضلاً عن الهدايا التي تقدم إليه من المؤمنين والمحبين إلا أنه يقوم بتحويلها إلى مؤسسة العين للخدمات الاجتماعية كما أفاد أحد مسؤوليها أنهم تصلهم الهدايا التي تهدى للسيد السيستاني كهبة للأيتام.
أما الجانب العلمي فلست أهلاً أن أتكلم عنه، فنظرياته الفكرية والأصولية التي استخلصها بعض تلامذته الذين استفادوها من محضر درسه المبارك من تراثه الجم كفيلة أن تبين عظم وخطر جوانبه العلمية وهو باب كبير وبحر خضم.
فبعض كلماته القصار من خلال الفتاوى أو البيانات التي تصدر عنه غيّرت مسار التاريخ كما هو دأب الأئمة والعلماء والمراجع الذين سبقوه كالسيد الحكيم في فتواه ”بكفر وإلحاد البعث“ فسيدنا السيستاني بحق نعمة يجب أن نشكر الله عليها بأن جعلنا نعيش تحت ظله الوارف.
وهنا أستشهد بكلمة قيلت في حق أمير المؤمنين ”ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفى أولياؤه فضائله خوفاً وقد شاع ما بين هذين ما ملأ الخافقين“ فهو كجده سلام الله عليه، ففي كل يوم تظهر لنا عظمة من علو شأنه، فكما كان الحضور اللافت من أهل الديانات لأئمة الحق، فها هو التاريخ يعود كأمسه حاضراً، فما زيارة البابا له إلاّ امتداد طبيعي لمسلك أجداده.
ورغم ظهور بعض الكتابات الموجهة والأقلام الحاقدة المسمومة التي تحاول النيل وحرف تلك الزيارة عما ينبغي أن يراد لها ذراً - للرماد في العيون - إلا أنها لن تمس شعرة من عباءة سيدنا السيستاني وسيذهب كاتبوها ويُنسوا كما نُسي من حاول الإساءة لأهل البيت وسيبقى السيد نوراً لامعاً وماءً صافياً ومعدناً أصيلاً وسيخلد ذكره.
هذه النعمة الكبيرة التي قد يغفل عنها المؤمنون فضلاً عن غيرهم يجب أن نتوجه للباري عز وجل بشكره عليها، وأن نجعلها منهلاً للدراسات الأكاديمية حفظاً للتاريخ. وهي دعوة لمن عايشه ويعايشه عن قرب أن يظهر تلك الكنوز، حيث أن هذه التجربة ربما الفردية في عصرنا والتي يجب أن تُسلط عليها الأضواء وتحتفي بها القلوب والعقول..
حفظ الله مرجع الطائفة الأعلى ومراجعنا الكرام على رؤوس الأشهاد وحرسهم بعينه التي لا تنام.