آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

السلامة بين ثلاثية الفطرة والدين والنظام

علي منصور الطويل *

قبل أن ندخل في صلب الموضوع دعونا نبدأ بتعريف مصطلح السلامة في اللغة: وهي العافية والبراءة من المخاطر والآفات والنجاة من المهالك والعيوب

أما السلامة في الاصطلاح: فهي تعني توفير الأشياء للوقاية من خطر محدد

وهي تعني أيضا العمل على توفير بيئة أمنة للمتواجدين فيها وتوفير كل متطلبات هذه البيئة.

ومن التعريف تتضح لنا أهمية السلامة في حياتنا فالنظام قبل أن يسن اللوائح والعقوبات لمخالفات السلامة سواء كانت السلامة المهنية أو المنزلية أو المرورية أو العامة فإن الدين الإسلامي الحنيف سبق ذلك بكثير في إرشاد أفراده بنصائح أولية مهمة في المحافظة على سلامتهم وممتلكاتهم قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا سورة المائدة أيه 32

وتلاحظون أحبتي الكرام أن الباري سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة ربط حياة نفس واحدة فقط بحياة الناس أجمع وهو تقييم إلهي عالي القدر عن سلامة الإنسان حياته ولما سئل مولانا صادق أهل البيت عن تفسير الآية الكريمة ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا قال الراوي: قلت فمن أحياها قال نجاها من غرق أو حرق أو سبع أو عدو ثم سكت ثم التفت إلى فقال تأويلها الأعظم دعاها فاستجابت له.

أما لو تصفحنا مواقع أو كتب الحديث في باب استحباب غلق وإطفاء السراج وإخراج النار قبل النوم لوجدنا كيف تناول النبي صلى الله عليه وآلة وأئمة الهدى هذا الموضوع بكل دقة وشفقة وحرص على سلامة الفرد من الحوادث والإصابات في الأنفس والخسائر في الممتلكات فقد ورد عنه ﷺ «أطفئوا المصابيح بالليل لا تجرها الفويسقة فتحرق البيت وما فيه»

الوسائل ج 5 ص 324 وفي حديث آخر رواه ابن عمر عنه ﷺ أنه قال: «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون» متفق عليه رياض الصالحين 521 وروي عن أبى عبد الله أنه قال: «أغلق بابك فان الشيطان لا يفتح باباً واطفى السراج من الفويسقة وهي الفارة لا تحرق بيتك وأوك الاناء» الوسائل ج 5 ص 323

وكذلك تقرأون أعزائي الكرام في دعاء الصباح لمولانا أمير المؤمنين «فاجعل اللهم صباحي هذا نازلاً عليَّ بضياء الهدى وبالسلامة في الدين والدنيا»

وتقرؤون كذلك في دعاء يوم السبت لمولانا زين العابدين : «وتمنحني السلامة في ديني ونفسي ولا توحش لي أهل أنسي»

أما في دعائه يوم الأحد فنقرأ: «وإياك أرغب في لباس العافية وتمامها وشمول السلامة ودوامها» إلى أن يقول «وأحفظني في يقظتي ونومي فانت الله خير حافظًا وأنت أرحم الراحمين»

أما في دعاءه يوم الخميس فتقرا اهتمامه بطلب السلامة واضحاً جلياً حينما يقول : «اللهم اقض لي في الخميس خمساً لا يتسع لها إلا كرمك ولا يطيقها إلا نعمك سلامة أقوى بها على طاعتك وعبادة أستحق بها جزيل مثوبتك وسعة في الحال من الرزق الحلال وأن تؤمنني في مواقف الخوف بأمنك وتجعلني من طوارق الهموم والغموم في حصنك»

وكأن الإمام بهذا الترتيب الدقيق يقول: أن من فقد السلامة لا يستطيع أن يؤدي العبادة أو غيرها وهذا أمر واضح فالمصاب أو المريض أو الهالك لا يستطيعون تأدية أي عمل أو ذكر.

أما الحديث عن الفطرة والعقل في الأمر واضحٌ تمامًا عند طفلك الرضيع حين يريد النزول من سريره أو من درج المنزل فتراه يقف مفكراً محتاراً ثم يهتدي بفطرته وعقله أن ينزل على بطنه زحفاً للخلف متفادياً السقوط والإصابة فتفرح أنت لسلامته وحسن تدبيره!

وهذا الأمر تراه جلياً في حياة الحيوان أيضاً فحينما يستشعر خطراً ما يهدد سلامته وحياته فإنه يتخذ الإجراء المناسب للنجاة فالفرار فوراً ويعرف بفطرته كيف يجتاز العقبات ويعبر الأودية والمرتفعات ويتكيف مع المستجدات القاسية بالغابات طلباً للسلامة والبقاء.

أحسنت يا عزيزي على هذا الطرح لكن لو تفضلت بأمثلة تبين ربط السلامة بالثلاثة التي ذكرت.

في خدمتكم يا سيدي الفاضل

ترى لو أن الواحد منا قاد مركبته بالطريق السريع بسرعتها المسموحة 120 كلم /ساعة وفي الأثناء رن جرس هاتفه الجوال ففي الثانية الواحدة التي انشغل فيها عن الطريق لمعرفة هوية المتصل للرد عليه يكون قد قطع مسافة 33 متراً دون وعي وإدراك وجعل من مركبته كتلة حديدية هائجة كقذيفة مدفع أو رصاصة طائشة - كما يقولون - لا تعلم في أي شخص تستقر وأي بريء تقتل هذه الطائشة وكم من الخسائر البشرية المفجعة تنتج من هذا الظاهرة اللعينة التي حولت الكثير منا إلى مخالفين للفطرة العقلية فالعقلاء ينظرون لمن ينشغل بجواله عن قيادته بنظرة ازدراء فالفطرة الأولية توجب تركيز القائد بجميع حواسة الذهنية لأمر القيادة وتدارك أخطأ الأخرين ومفاجئات الطريق والتي تسمى «بالقيادة الدفاعية» Defensive driving والتي يضمن المختصون بالسلامة المرورية انخفاض نسبة الحوادث للصفر حين تطبيقها وهي تتطلب الانتباه والتركيز لا التصفح والمراسلة تماماً كما قال تعالى «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ»

وأما من ناحية الدين، فالملائكة الموكلين بهذا السائق اللهي بجواله يسجلون في صحيفته مخالفة شرعية سيواجه بها ويحاسب عليها يوم القيامة بتعريض نفسه وأنفس الأخرين للتهلكة وإن لم ترصده كاميرات الرصد الآلي للنظام أو تدون بسجله المدني مخالفة استخدام الجوال أثناء قيادة، فأمر السلامة محاط بهذه الهالات الثلاثة الفطرة والدين والنظام، على الدوام سواء التفت إليها المخالف أم لم يلتفت وكثيرهم المعاندون، لكن حديثي مع الإخوة الكرام والأخوات الكريمات الذين يتمتعون بالكياسة والفهم واحترام الأخرين وسلامتهم .

ولا أطيل على القارئ الكريم ... اختم مقالي بهذا المثال الأخر

وهو ظاهرة بناء ما يسمى الدبلوكسات الكراتين إشارة للبناء السريع الهش والتي غلب فيها الفش والطمع - لدى «بعض» المقاولين «وبعض» تجار العقار - على فطرة الخير التي فطرهم الله عليها وتاركين أبناء مجتمعهم بين مديونية البنوك بالملايين وبين مراجعين لأروقة المحاكم مطالبين بحقوقهم ممن تربح عليهم بالمبالغ الفاحشة مقابل البناء المضروب!

بينما من بنىَّ بيته بنفسه وإشرافه منذ التصميم والتأسيس إلى التنفيذ والتشطيب وفر له ولعائلته المسكن الآمن دون الوقوع في مصيدة الصيادين!

لذا توجهت الأمانات والبلديات مؤخراً بوضع نظام تراخيص البناء بحلتها الجديدة معالجين لجميع مخالفات السلامة والغش سواء في مرحلة التصميم أو التنفيذ أو اختيار جودة مواد البناء وكذلك جاء شعار اليوم العالمي للدفاع المدني لهذا العام - المتزامن هذه الأيام - تحت عنوان «يد تبني ويد تحمي»

مذكراً بأهمية جهاز الدفاع المدني المنسي كالجندي المجهول والذي لا نعرف أهميته إلا حين تقع فينا الحوادث والحرائق والمستجار بالله.

أخيرًا أدعو لكم بالموفقية في التفاعل مع هذا اليوم العالمي لتفقد نقاط السلامة بمنازلكم وتدعيمها بتوفير أدوات السلامة والتأكد من جاهزيتها وتعليم الأفراد طريقة استخدامها ووضع خطط النجاة حال الحريق وتعيين مخارج طوارئ بديلة عن المخارج الافتراضية المغلقة بالنار أو الدخان حال الحريق لا قدر الله، وكذلك تعين نقطة التجمع خارج المنزل

ولا تنسوا صيانة الأجهزة المنزلية وإعادة ترتيب المخازن وإخراج المواد التي أكل عليها الزمان وشرب، وتنظيف المطابخ غرف الغسيل وتهوية الثلاجات والمجمدات والغسالات والنشافات،

والاستفادة من برامج التوعية التي يطلقها الدفاع المدني.

اختصاصي سلامة