التربية وما ليس بتربية! ”كيف لا نربي أبناءنا؟!“ للدكتور عبد العظيم كريمي
قد يتفاجأ القارئ؛ أو يُستفزّ لهذا العنوان المثير لكتاب الباحث الحائز شهادة دكتوراة في علم النفس من طهران عام 1996م، والدكتور بجامعة العلّامة الطباطبائي ”عبدالعظيم كريمي“ هو مؤلف عدة كتب مختصة بالتربية كهذا الكتاب الذي سنستعرض بعض أفكاره وأطروحاته؛ والتربية الصادمة، وتعاليم لا منطقية لحياة لافوضوية، ولاءات التربية وغيرها من الكتب والمعنونة بعناوين لافتة ومثيرة!
اللافت في هذا البحث، أنّ الكاتب اعتمد في منهجيته؛ بعكس السائد، وهو معرفة ما ليست بتربية حتى الوصول لما يجب أن تكون تربية؛ وفق قاعدة «تُعرف الأشياء بأضدادها».
وبحث تربية الإنسان وبناء شخصيته؛ يعتبر من الأبحاث والمحاور الرئيسة في جميع مذاهب وفروع العلوم الإنسانية؛ ومع ذلك يطرح كريمي سؤالاً سهلاً وصعباً في الوقت ذاته؛ وهو:
ما قيمة معلوماتنا عن التربية إزاء مجهولاتنا بشأنها؟!
ما التبعات المتأتية مما ننجزه باسم التربية قياساً إلى ما لا ننجزه؟!
وفي ثنايا بحثه يضع إصبعه على الجرح؛ مستعرضاً عوائق فهم التربية في نظره؛ وهي خمسة عوائق!
1/ اعتبارها عملية آلية متصلبة.
2/ اعتبارها عملية إنتاج؛ أي الإفادة من المتربي لتلبية المتطلبات الاقتصادية والسياسية المقررة في المجتمع.
3/ اعتبارها عملية خارجية؛ عملية زخرفة وتطلية؛ فالتربية في نظر هؤلاء مهمة يتحملها الجيل الراشد؛ تجاه جيل لا يقوى بعد على مواصلة الحياة الاجتماعية.
4/ عائق مرتبط بتوجهات وأهداف التربية؛ فيتصور البعض أنه من أجل تنشئة كلّ شخص؛ لا بُدّ من تحديد أهداف مقررة مسبقاً ليتم توجيه المتربي لها.
5/ عائق مرتبط بأسلوب التربية؛ فالبعض يتصور أنّها لا بُدّ أن تتم عن طريق بذل المعلومات ومواصلة التعليم، بينما هي عملية اكتشافية، لا اكتسابية التقاطية!
والجملة الأخيرة - بحسب ما فهمت - من أطروحته والواضحة من عناوين فصوله كالتربية ليست علماً، التربية ليست تطبيعاً اجتماعيًّا، وليست تدخلاً ولا رفداً ولا ومنح مزايا ولا إخضاعاً، ولا تنشئة وقولبة.
والجدير بالذكر، أنّ المؤلف قد فرّق بين مفهومي القولبة والتقولب؛ فالأول؛ يتحكم بها عامل خارجي يمنح شخصية الإنسان الهوية؛ فيسيّر الشخص بحسب نموذج مقرّر مسبقاً؛ بينما الثاني - أعني به التقولب - يتفاعل عامل باطني فيشكل الإنسان بحسب فطرته وبشكل منفرد، من خلال التعاطي مع البيئة الخارجية!
التربية ليست عملية عرض وتقديم، وفي هذا الفصل تدور فكرته؛ أنّ استبدال العرض والتقديم بفنّ ”الحذف“ هو ما يضفي النشاط على التربية؛ وأسقط فنّ الحذف في السينما على عملية التربية؛ فالمخرجون السينمائيون يركزون اهتمامهم على الحذف أكثر من العرض؛ لذا لا بُدّ للمربي في استدخال الخطابات التربوية توفير الخلفيات دون أن يعرض الخطاب المنظور بشكل مباشر - وعملية الإسقاط هذه في ثنايا الكتاب - وأنا أقرؤها لم أشعر بقوة الطرح والإقناع أو الربط العميق بين الموضوعين؛ بعكس بقية الفصول؛ وربما قارئ آخر له رأي مختلف ولا يشعر بما شعرت!
والتربية ليست تطويعاً وغيرها من العناوين التي منها يُفهم مباشرة؛ لُبّ أطروحته والفكرة التي تدور حولها مباحث الدراسة؛ فأصالة الإنسان هي أهم مبدأ تربوي؛ والتربية بالاكتشاف عملية باطنية تتضمن جذب المتلقيات بحسب متطلبات فطرة المتربي، ليخلص في نهاية بحثه لطرح السؤال المنطقي؛ الذي ربما يُشكل عليه من قِبل القارئ في عدم إجابته عليه؛ من بداية بحثه لنهاية كتابه المتضمن 305 صفحة؛ وهو: *ما هي التربية؟! *
ليجيب مختصراً وبإجابة قد تعجب القارئ وقد لا تعجبه؛ أنّ البحث متواصل ولم يَنْتَهِ بَعدُ!