آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

التواصل بين الجنسين عبر قنوات التواصل الاجتماعي

ابراهيم الزاكي

أصبحت قنوات ووسائط التواصل الاجتماعي اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياة الكثيرين من أبناء مجتمعاتنا، وتلعب دوراً مؤثراً في تغيير المفاهيم المتعارف عليها، وتغيير نمط حياة الناس، وطريقة التواصل فيما بينهم. حيث أدّت فيما أدّت إلى التقليل من حساسية التواصل بين الجنسين عبر هذه الوسائط في مجتمعات كانت أكثر تحفظاً، وأكثر تمسكاً، بكل ما يتعلق بشأن المرأة. وأخذ الأمر مع مرور الوقت يصبح مقبولاً على الصعيد الاجتماعي، على الرغم من النقد الحاد الذي يطاول هذه المواقع، واتهامها بالمسؤولية عن بعض ما يحدث من انحرافات وتفكك أسري.

لقد كسرت وسائط التواصل الاجتماعي حاجز العلاقة بين الجنسين، وأتاحت للمرأة إمكانية التواصل مع غيرها من الرجال بكل جرأة، ومتابعة ما يُكتب ويُقال والرد عليه ومجادلته، سواء ما يقوله ويكتبه المثقفين ورجال الفكر والمسؤولين، أو ما يقوله الشباب والناشئة من مختلف الأعمار، ومشاركتهم في حوارات هادفة، وإثرائها بالأفكار الخلاقة، والتداول فيها مع الجميع.

إن علاقة التواصل بين الجنسين عبر هذه القنوات، كما يرى البعض، لابد أن يكون له حدود واضحة، وضوابط دينية وأخلاقية وتشريعات قانونية يجب الالتزام بها. فالمحرمات ما زالت موجودة حتى في العالم الافتراضي، حيث لا تخلو مواقع التواصل الاجتماعي من وجود منحرفين ثقافياً وأخلاقياً ممن لا يؤمن جانبهم، ويسعون لنشر الفساد والرذيلة.

ومما هو خليق بالذكر أن كل فرد يحمل معه أينما حل ورحل مبادئه وقيمه وأخلاقياته، سواء في الواقع الحقيقي أو في الواقع الافتراضي، وينقلها معه عبر قنوات التواصل، وتكون جزء من شخصيته، سواء الإيجابية منها أو السلبية. فأصحاب الأخلاقيات الرفيعة يتواصلون مع الآخرين باحترام، وتتملكهم الرغبة في طرح أفكارهم بنضج، وفي المقابل فإن أصحاب الأخلاقيات السيئة والمنحرفة يعتبرون هذه المواقع وسيلة للمعاكسات تحت مسميات التحضر والانفتاح والحوار وتبادل الأفكار وطرح الرؤى ومناقشة المشكلات.

وانطلاقاً من هذا الاعتبار هناك من الرجال من يُحرّم على زوجته وبناته التواجد على مواقع التواصل، أو أن تتواصل مع الرجال حين يكون لهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. وهناك من يرفض ويعترض على فكرة التواصل بين الجنسين من الأساس، لأسباب ومحظورات دينية واجتماعية وأخلاقية.

غير أن هناك من يتقبل ولا يعارض التواصل بين الجنسين عبر قنوات ومواقع التواصل ضمن ضوابط قيمية وأخلاقية، ويعتبرها حالة صحية ومفيدة، وتعكس جانباً حضارياً مهماً، خصوصاً إذا كان الهدف منه طرح الأفكار ومناقشة القضايا الجادةّ، حيث أن المرأة قادرة على العطاء والمشاركة بكل اقتدار. فمفهوم الاحتكاك والتعاطي بين الجنسين يختلف حين يكون الهدف من التواصل إثراء الأفكار وطرح القضايا تهم الناس.

وغني عن القول بأن علاقات التواصل بين الجنسين في العقود السابقة كانت تشوبها الشكوك والظنون، وكانت غير مقبولة ومرفوضة تماماً. إلا المفاهيم حول العلاقة/التواصل بين الرجل والمرأة آخذة في التغير بسبب ما يحدث من تحولات في البيئة الاجتماعية التي تتأثر بالمتغيرات العالمية، على الرغم من كل الرفض والاعتراضات التي تصاحبها. وإذا كان في الماضي يصعب التواصل بين الجنسين لعدم وجود طريقة وآلية لمثل هذا التواصل، إلا أنه اليوم توجد العديد من الطرق والآليات التي تتيح هذا التواصل، حيث يتاح لأبناء اليوم من الجنسين أجهزة تواصل عالم افتراضي أزالت الحواجز، وسهّلت آلية التواصل والتعارف والتقارب.

وعلى الرغم من أنّ التواصل بين الرجل والمرأة عبر قنوات التواصل الاجتماعي تجاوز تلك الحواجز القديمة، وأصبح اليوم يستند أكثر على الاحترام، إلاّ أنّ موضوع هذا التواصل مازال موضع رفض، أو تحفظ، أو موضع شك وريبة، وذلك خوفاً من تطور هذا التواصل الافتراضي إلى تواصل وعلاقات خارج هذه القنوات، خصوصاً مع ما يحدث من ممارسات وتجاوزات غير أخلاقية لا تعبر عن الالتزام بالضوابط القيمية والأخلاقية.

وحسبنا هنا ما يتم تداوله من قصص عن التورط في قضايا غزل ومعاكسات بين الفتيان والفتيات، فقد سهّلت وسائل التقنية الحديثة عملية التعارف والتقارب بينهم، وساعدت في حدوث مثل هذه التجاوزات. وغالباً ما تكون الفتيات ضحية مثل هذه المعاكسات، والتي لا تقف عند حدود المعاكسة بذاتها، بل إنّ الطامة الأطم حين يتطور الأمر إلى ابتزاز عند حصول الشاب على معلومات وصور خاصة بالفتاة، بعد أن تكون وثقت به، ومن ثم يقوم بمضايقتها وابتزازها.

يشير ”خالد الرديعان“، أستاذ علم الاجتماع، إلى أنّ التقنية الحديثة كالجوالات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي قد تكون من العوامل التي شجعت وتشجع على تفشي ظاهرة المعاكسات بصورة أكبر، وذلك تحت دعوى التعارف مع الجنس الآخر الذي يراه الشباب من الجنسين سلوكاً طبيعياً في مرحلتهم العمرية، بل إنهم قد يتباهون بالمعاكسة أمام أقرانهم، ويعدونه نوعاً من ”الفحولة“، أو ”الرجولة“، في حين تراه البنات نوعاً من رواج سوقها كفتاة وأنها جميلة ومطلوبة؛ مما يشجع الطرفين على التمادي في هذا الموضوع.

ويضيف ”الرديعان“ أنّه من الأهمية التركيز على دور الأسرة والتوعية من قبل الوالدين ومتابعة الأبناء، وفي حال استخدام الأبناء للتقنية فيلزم معاقبة المعاكس بأخذ الأجهزة منه مؤقتاً، أو حرمانه من الإفادة من شبكة الإنترنت، موضحاً أنّ القدوة الحسنة مطلوبة، بل وأساسية في هذا الجانب، لافتاً إلى أنّه قد يعود تفشي ظاهرة المعاكسات إلى عدة أسباب، منها: سوء التنشئة الاجتماعية عند المراهقين، وإهمال الأسر لأبنائها وبناتها، ونظرة الشباب المقولبة للفتاة، وأنّها فريسة سهلة يمكن الإيقاع بها، إلى جانب التقنية التي ساعدت كثيراً في تفشي الظاهرة؛ بسبب سهولة الحصول على أرقام التلفونات، وربما أماكن سكن الأسر، ومن ثم الوقوع في مشكلة المعاكسات". «1»

زبدة القول هي أنّ العصر الذي نعيشه لم يعد كما سبق من عصور، حيث اختلفت المفاهيم، وتلاشت الحواجز، وأبناء هذا الزمن أصبحوا يتواصلون مع بعضهم البعض من خلال أجهزة الاتصال الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن ذلك لا يعني إهمال الضوابط والقيم الأخلاقية والدينية في علاقة التواصل بين الجنسين عبر هذه الوسائط، أو عدم الالتزام بها من قبل المتواصلين.

أخيراً وبعبارة واضحة أنه على كل طرف، من ذكر أو أنثى، مراقبة ذاته، ومراجع طريقة تواصله مع الطرف الآخر، ووضع الحدود المناسبة لهذه علاقته، وتقييم سلوك من يتواصل معه، ومعرفة طريقة تفكيره، وماهي مواضيع ومضمون حساباته، والأحاديث التي يميل إليها ويثيرها. فالرقابة الخارجية لن يكون لها أثراً ذا قيمة إذا لم يكن هناك رقابة ذاتية تضع الحدود بين المقبول والمرفوض في العلاقة بين الجنسين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

للبحث صلة....

[1] - كيف تتعامل الأسرة مع ابنتهم المعاكسة. تحقيق أسمهان الغامدي. جريدة الرياض. 22/08/2014