آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 4:17 م

زوايا أسرية 10

محمد الخياط *

أشاعوا أنها مسرورة بالزواج.. لم يعلموا!

خلف الستار لا يوجد مبرر موضوعي!

جدلية العنف والظلم لن تنتهي!

رحلة البحث والعلاج وخارطة الطريق

تئنُ وكأنها تحمل الجبال الرواسي على رأسها مع أنها لم تبلغ العشرين من عمرها، ولم يمضي على فرحها بالزواج أكثر من عامين وهي تحمل طفلتها الأولى

بيتٌ أصبح عنوانه الضجيج والمشاجرات انعدم فيه الدفء وتبلد المشاعر وكأنه حلم وتبخر مع الأيام، ذهولٌ وصمتٌ وهجرانٌ وعنفٌ وحرمانٌ ووحدةٌ في الليل وخوفٌ من النهار، كل ذلك أثقل كاهلها متسمرة في مكانها مخذولةٌ مذهولةٌ مما نزل على رأسها وجسدها النحيل من فعل وقول وهي تنظر إلى طفلتها الصغيرة وتُحدثها بصوت مبكي هذا فعل أبيك بك، إلى أين يؤول مصيرك ومصيري؟!

خلف الستار

وصل به الحال أن يلقي بها خارج المنزل مع رضيعتها لأيام تبقى في بيت أهلها دون أن يُلقي لذلك بال أو ترف له عين أو يخشع له قلب، يمارس النزوات العابرة وسرعان ما تتلاشى ثم يعود لها مرة أخرى كبر وكبرت الأنا المتضخمة والنفس المريضة، عين الآخرين تُلاحقها وكلامهم يجعلها في حالة غثيان بتوجيههم سهام الاتهام وكأنها هي المسؤولة عما هو فيه،

لا يعلمون أن حياتها شقاء أساء لنفسه ولها ولأهله وأهلها ثم تقولون هي المسؤولة!!

تتساءل مذهولة

لماذا أنا المسؤولة؟ ما الجرم والفعل الذي أُعاقب عليه في كل صغيرة وكبيرة؟ امرأة أخاف الله ربي، لم أفعل القبيح ولم أظلم، كنت فتاة يتيمة الأبوين، أعيش في ظل أخواني بكرامة ودين محفوفة بكرمهم وحسن معاملتهم لي، لماذا أنا يجب أن أتحمل عيبه وأعباءه من الأخطاء والأخطار لسلوكيات خارج عن فعلي وارادتي ودوري نتاج لفعل قبيح لا يقره عقل ولا دين ولا إنسانية من ذلك الرجل هو من يعنف وأنا مَن تصبر، هومن يسرق وأنا مَن عليها بيع ذهبها لتحميه، هومن يرتكب ما حرم الله وأنا أتستر وأتصبر حتى يصلح حاله؟!!

.. آه..آه ماذا اقول: جدلية الظلم لن تنتهي معي

صامتة بذهول، ناطقة بالبكاء، متحدثة بالألم، جسدي مدمى وقلبي يصرخ دون صوت، دموع تجف ودموع لامعة في مآقيها إنها الحقيقة التي لا يجب السكوت عنها لرجل سلوكه ذو طبيعة عدوانية، عنفه يجعلك تبتعد عن الحوار والمناقشة معه، عديم الشعور والاحساس والعاطفة والعلاقة الزوجية الخاصة الحميمية ميكانيكية، حالة اشباع لجوع بعنف لاضطراب «سادي» أعيش معه في بيت وسرير واحد لا أسمع منه عبارات رقيقة، الخوف يقتلني فمن ينقدني؟!

تمر هذه الأنثى بلحظات إنهاك وانهيار وارهاق نفسي وجسدي تتجاوز الكرامة الإنسانية والحدود الطبيعية للخلافات الزوجية كل المبررات التي تحتملها معدومة فلا محفزات للبقاء معه لا يسمع إلا صوته الداخلي وعدوانيته وصلت إلى خارج المنزل يسرق أمه ويسرقها ويستدين من أهله وأهلها وأصدقاء السوء من مثله دون حياء ولا خوف يُسافر ثم يعود لا تعلم إلى أين ومن أين أتى وهي تقول: لن أتمكن بعد اليوم من السكوت أبداً حاولت التسامح والتغاضي والسعي والاصلاح واقناعه بالعلاج ما استطعت لذلك سبيلا

فلمن اشكو حكايتي؟

فتاة في مقتبل العمر تعيش في قرية وادعة لأسرة متواضعة متوسطة الدخل يتيمة الأب والأم تحلم كباقي الفتيات تبني مستقبلها الدراسي ووظيفه مرموقة وبفارس أحلامها.. خطبتها كانت بطريقة تقليدية جداً عن طريق معارف العائلة من خارج محيطها الاجتماعي ساقتها الأقدار للاقتران بذلك الشاب الذي لم تعرف عنه غير اسمه ورسمه واسم مدينته وعمره وصفة وظيفته المهنية بعد الزواج بشهور كُشف المستور وأصبحت علاقتها في واد غير ذي زرع، إن تكلم تفوح منه رائحة نتنة لجهله وغطرسته وتكبره

عجيب أمر ذلك الإنسان وكأنه خلع جميع ما يستره وأصبح دون قناع ولا ساتر لجسده وأخلاقه ومنطقه وسلوكه العدواني وألفاظه التي يستحي من نطقها الإنسان السوي أو يكررها على الغريب، فكيف ينطقها ويمارس فعلها دون رادع على من هي أم لابنته وستره وشرفه؟!

تقول وهي في حالة ذهول يرفض عقلي أن يُصدق ما أنا فيه، كما يرفض كل ذو لب مثل هذا العنف الشنيع والصراخ المخيف الذي يصدر من هذا الشاب ما يُندى له الجبين في القول والفعل

أعيش في حلم أم الأقدار ستجري بمقاديرها وهذا مصيري؟ أخافني هذا المخلوق وأنهك تفكيري بتعنيفه لجسدي النحيل يسرقني ويصرخ ويضرب ويغتصبني وإن كنت في غير طُهر،

هو مريض «سادي» سليط اللسان واليد لا يقبل الحوار ولا النصح ولا السؤال، التبرير منطقه وإن تحدثتُ إلى أهله أو أهلي يتحول إلى وحش في جسد انسان.

هل هو شخص فاقد الأهلية؟ أو هو قادم من عالم آخر بعيداً عن عوالمنا وما نحن فيه من دين وقانون وقيم انسانية؟ أليس له أم واخت! أليس له دين يدين به! ألم يتعلم ويدرس وهو يعاهد ربه في المحافظة علي بالمعاملة الحسنة! لقولة تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ النساء19»

وقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء: ”1“

وقوله تعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ ِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  ﴿21الروم

كما روي عن الرسول ﷺ يقول:[ استوصوا بالنساء خيرًا فإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله]

لا عودة.. أو البقاء

فصبر ٌجميلٌ..أتشاطرني الرأي وأنت تقرأ هذه السطور؟ هي حدثٌ لا يجافي الواقع وليست رسالة عابرة أو دراما لقصص خيالية أو لسرد أحداث ومشاعر وقضايا مؤلمة فقط، إنما هي أحداث تسمعُ أو تقرأ عنها الكثير في جميع قنوات التواصل والعالم المرئي والمسموع، فهل طرحها هنا يشكل عندك تساؤل ومسؤولية لزاوية أسرية بصيغة مختصرة مدمجة الحدث مع ما فيها من الآلام يقشعر لها بدنك، وتتساءل هل ممكن أن يصلح حال هذا الشاب؟ قد تكون إجابة البعض دون علم ولا معرفة «بنعم ولكن!!» بقولهم تلك الأحداث عاطفية أكثر مما هي واقع، والسبب والمبرر عندهم يعود إلى ضغوطات الحياة وأنه ليس من جنس الملائكة ولكل انسان له من العيوب، فالشاب مريض نفسي عاش طفولته بين دلال وعنف، ولم يحمل المسؤولية يوما فتحول حاله إلى مزيد من التراكمات، مادية وعلاقات غير سوية وضعف تربية والسكوت على الأفعال المشينة أصبح يعاني من المرض النفسي الذي تم تشخيصه تحت اسم «السادي» وكان يتعالج عنه في الفترة الماضية وتحسنت حالته والأخت الكبرى تقول: لم نشأ اخباركم بذلك بناء على استشارة آخرين من العائلة بحكمة مع الاسف من لا حكمة عندهم «بقولهم قد يتزوج ويصبح رجلا يتحمل ويصلح حاله»،،

ما تعانيه هذه المرأة هو خداع وظلم من الجميع والزوج يحتاج إلى إعادة تأهيل وعلاج نفسي طبي وسلوكي معرفي فحاضره كماضيه يعيش في دوامة دائمة ويمارس من صنوف العنف والعناد وعدم قبول النصح والعلاج هو جرم قانوني وديني وأخلاقي يحاسب عليه كل من كان يعرف بماضي مرضه النفسي ومارس السكوت وأخفى عن الفتاة وعائلتها حين خطبتها.

القرار بيدك

تساؤلك عن الخروج مما أنت فيه ليس هناك ثمة طريقة أكيدة إلا بعد أن يتم قبول الزوج وأهله وانت للعودة إلى المربع الأول في دائرة العلاج النفسي السلوكي والدوائي في جهة متخصصة وعلى يد كفاءة تمكنهم من تشخيص لتحديد العلة ومعرفة السبب للعلاج، مع علمك أن موضوع العلاج يستمر فترة طويلة فيكون القرار لك في أمرين:

1/عدم القبول بالبقاء على ذمة الزوج نهائياً للمبررات والمسوغات التي هي معلومة عندك ونحن لا نشجع عليها نهائياً، لوجود امكانية الحل المشروط وهنا الحديث يتخذ مساراً آخراً،

2/ البقاء على ذمة الزوج دون أن يكون هناك شروط «للعلاج»، لا تقولي بعدها أنا أعيش حالة بُنيت على خفايا الأمور وتأثيرها لم أكن أعلم بها قبل اليوم في خضم الانكسارات والأزمات النفسية والأوجاع الملتهبة، ستمرين بمرحلة تدركين بعدها أنك وحدك والبكاء والأسف لن يجدي نفعا.

وتعود الحكاية إلى البداية

اضطراب في الروح والحال والمكان، خلف كل ابتسامة خفايا ذكريات من الآلام والآهات والجروح النازفة، نحيب واحتراق وشعور بالضياع لسلوك كان من الواجب أن يبنى على الدين والامتثال للميثاق الغليظ والقيم والأخلاق والصدق والأمانة وإخبار تلك العائلة والفتاة بما هو معلوم عن حاله المَرضي ولهم القرار في القبول من عدمه.

صبر وعلم وخارطة طريق

اجمعي شتاتك وافيقي من غفلتك وخوفك واستيقظي وأزيحي الغشاوة والضباب عن عينك وفكرك واكسري حاجز التردد والقلق من الماضي المؤلم واستشيري مرشدك النفسي وضعي معه خارطة طريق تنير لك المستقبل

أصبح من المعلوم عندك أن زوجك يعاني من مرض اضطراب نفسي وممارسات غير سوية وتشخيصها هو بداية الحل..

أ‌ - العلاقات المحرمة

ب‌ - اصدقاء السوء

ت‌ - ضغوطات مالية

ث‌ - شرب الكحول

ج‌ - المرض النفسي الذي كان يتعالج عنه من قبل وتم تشخصية «سادي»

ويرجح الأخصائيين أسباب عديدة منها ما هو مرتبط باضطراب في مناطق معينة من الدماغ، وقد يكون ممارسته لهذا السلوك هو التعبير عن انفعالات سلبية تعرض لها أثناء التربية إلى حالة من القسوة والعنف الشديد، وهناك احتمالات يرجحها المختص بناء على التشخيص الأولي أن الزوج تعرض لاعتداء جنسي بالضرب في الطفولة أو النمو الجنسي في مرحلة مبكرة وهو أحد العوامل التي تسهم في تكوين الشخصية السادية المتفجرة وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تحتاج تأكيد لما هو عليه حين تشتكين من ممارسة العلاقة الحميمية بعنف والقسوة والهيمنة بشكل غير طبيعي وأحياناً كثير بالإيذاء الجسدي لشعورة بالمتعة وقد تظهر عليه أعراض منها الاكتئاب الدائم والانطواء والانفصام وجنون العظمة وتزداد هذه الأعراض مع تعاطي الكحول.

اعلمي

إن صعوبة التشخيص ومدة جلسات العلاج طويلة وتحتاج إلى التواصل المستمر مع المعالج والالتزام بالمواعيد للجلسات السلوكية والدوائية لسرعة العلاج..

1/ المريض السادي يصاحبه حالة من القلق والاكتئاب المتوسط إلى الشديد وفقدان الأمل وفي بعض الحالات يصل به إلى القتل قد يصل به الحال إلى تكتيف المرأة وهو يمارس العلاقة الحميمية معها.

2/ لا يقبل أبداً التمرد عليه مع علمك أنه يمارس عنف غير مبرر ولامنطقي نهائياً.

3/ العلاج يتطلب صبراً ووقتاً طويلاً وطبيعة العلاج ليس هو علاج نفسي سلوكي ودوائي فقط، إنما يحتاج بالإضافة لذلك تفكيك كثير من معتقدات وقناعات التي تحتاج جلسات سلوكية نفسية لفترات طويلة.

4/ الرعاية والاحتواء والمساندة والدعم بالوقت والمال والحوار الإيجابي من قبل المحيطين ومن الزوجة بالخصوص هو أحد العوامل المهمة التي يُمكنك من كسب ثقته ومن خلال الحديث معه في الاستمرار والتشجيع على العلاج له دور فاعل في استعادة الحياة إلى طبيعتها.

5/ من النقاط المهمة جداً التي نؤكد عليها بشدة في حالة الخوف الشديد من سلوك معين، احمي نفسك وابنتك قدر المستطاع، وعدم الدخول في جدل بالابتعاد عنه، كبقائك في الغرفة واغلقي الباب جيداً والتواصل مع أحد أفراد عائلتك أو إخوانه فقط.

6/ هناك رأي وإن كان فيه محذور ملخصه يقول:

إن المضطرب السادي يحتاج في بعض المواقف احراجه ومقاومته خصوصاً أمام مَن يحب يُصاب بدهشة وشلل في التفكير وقتها سيهدأ لبعض الوقت، وهذا التقدير يتم باستشارة المختص النفسي.

7/هناك نقاط تفصيلية تتابع مع المختص أول بأول حسب شدة الحالة وتشخيصها

رسالة البداية لا نهاية لها!

لعلي حين أكتب هذه الزوايا تصل حروفي لمن يود أن يفهم، أن الزواج مرحلة تحتاج إلى قرار مبني على معرفة دقيقة قدر الإمكان بمن هو طارق الباب؟ امتثالاً للحديث المروي عن الرسول «صلى الله عليه وآلة وسلم» قال: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه «إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساداً كبيراً «الكافي - الشيخ الكليني - ج5 - ص347

فحسن الخلق والشرف والدين والتوافق البيئي والأسري والتعليمي وسلامة العقل والجسم والصحة النفسية والأمراض الوراثية والسن المناسب والعمل والاستعداد المالي وما يعرف عنه من صلاح وعدم شرب ما حرم الله، فالقبول بالزواج ليست كلمة تقال وكفى..

من الطبيعي لكل من يقرأ هذه المقالة تكون له رؤية وقناعات تعبر عن موقفة المبني على تجاربه في الحياة أو من خلال تعاطفه أو تخصصه العلمي فالحياة ليست كلها مفروشة بالورود.

ملاحظة: التشخيص والعلاج النفسي لا يكون إلا من قبل المختص أو الطبيب النفسي فقط

 

كاتب سعودي ومدرب في شؤون الأسرة