عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون!!
في سورة يوسف .. ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ .
أيام الله تتشابه..! وتلك الأيام نداولها بين الناس، تعاقب على القوة والضعف، وتعاقب على الغنى والفقر، وتوالي عطية الملك ونزعه، وسريان الغيب في هبة العزة وعقوبة الخذلان بالمهانة والذل..!.
هذا يوسف النبي الصالح يخبر عن حال من التبدل والتغير، وإن فيه عام سلب لنعم كانت قريبة الجني يسيرة النوال..! عام يعصر الناس بقسوته، وكل عصر يعني الضمور، ويعني النز لما غار، والطلب لما خفي وبطن، يعني النزع للنعمة المخبئة، وعدم القناعة بسلب الظاهر..!.
هنا يوسف النبي يقول «عام فيه يغاث الناس» كفريضة عامة على كل أحد، على الدولة أن تغيث الناس، وعلى التاجر أن يقلل ربحه بالحد الأدنى، وعلى كل إنسان أن يكون رحيما أكثر من أي وقت مضى، وكريما أكثر مما كان، ومتصدقا بأكثر مما هو معتاد عليه لأنه عام فيه يحتاج كل الناس لمن يغيثهم لمن يساعدهم، ويتحسس ضراوة الجوع في بطون أطفالهم ونساءهم..!.
ونحن اليوم «في عام يغاث الناس فيه» وفيه «يعصرون» أيضا، تقترب عدد القبور من ثلاثة ملايين قبر، فتحها هذا الوباء، ومائة مليون إنسان تخطفه المرض، وملايين الملايين من الفقراء فقدت الدولار الوحيد الذي كانت تقتات عليه في نهاية كل يوم، وأبواب رزق أغلقت بما لا رجاء بعودة فتحها حتى بعد زوال هذا الوباء..!.
ملايين حولنا تتطلب رزقها من خرم أبرة لتبلغ به الكفاف فلا تستطيعه ولا تقدر عليه..! وبات معظم شعوب العالم تختار تارة الموت جوعا «بالحجز» أو الموت وباء ومرضا مع التغيير المستمر لطبيعة الوباء والعجز الدائم من السيطرة عليه.. لا ينتهي الليل إلا بتمامه، وأشتداد ظلمته..! سيعصر الناس جميعا وأكثرهم ألما هم الفقراء وأطفالهم ونساءهم وآباءهم..!.
مع الموجات المحتملة للوباء، ومع «ظهور أنواع جديدة» من المحتمل أن تكون أكثر قسوة، وأمضى سلبا لأرواح ضحاياها. يجب أن يتحول هذا العام «لعام الإغاثة». إقامة «صندوق حياة الفقراء» التحدي الأعظم اليوم هو أن نكتشف إنسانيتنا، أو نتعرف على حجمها ونوعها ومقدار وجودها في داخلنا..!.
يمكن تأجيل الكثير من الرغائب، والشهوات، والكثير من التسلية وتحويل ثمن هذا كله إلى ثمن عقاقير ولقاحات لفقراء العالم العاجزون عن دفع ثمنه، أرغفة الخبز هي الحد الفاصل بين الموت والحياة في أماكن كثيرة من العالم اليوم، حولنا إن رفع الله عنا قسوة القلب، وغشاوة البصر، وعبادة الأنا، الكثير ممن فقد عمله، وسبب رزقه، ومن بارت تجارته، ومن سلب النعمة وتبدل حاله..
التحدي الحقيقي الذي فرضه الوباء علينا جميعا هو قدرتنا على التنازل عن قدر غير قليل من الأنا لصالح غياث الذين يتخطفهم الموت أطفالهم وأرواحهم جوعا أو مرضا وعيونهم غائرة مترددة بين السماء والتراب والطين.. ولكن الهوى غالب، والقلوب مغلوبة، ولا رجاء بإستجابة لدعوة الله للناس في زمن العوز والفقر والحاجة أن يحولوا أيديهم إلى مطر يسقي بها يباس الحاجة، ويروي بها ظمأ النفوس قبل أن يقتلها المرض أو الجوع اوالبرد تحت أسمال خيمة من خيم اللاجئين بالقرب منا.. على مسافة سؤال الله لضمائرنا عنهم لحظة الوقوف بين يديه..