العودة إلى جنة المأوى «السعودية»
لم أعد أشاهد زميلي ناجي في أروقة المستشفى. ولم أعد أجد أسمه ضمن قائمة فريق كرة القدم. فقلت ربما نقل إلى مستشفى آخر أو عاد إلى نجران. وما أن شاهدته في أحد الاقسام الداخلية حتى كانت جلستنا مطولة وبدأ يفيض بالأخبار التي تثلج القلب، وتبعث الراحة والامان. وختم حديثه بأنه يعجز عن رد الجميل للوطن. وهنا أدعكم مع مجموعة من خلجاته التي اختزلتها ودونتها علها تصل لكل مواطن.
يقول ناجي ”بينما كنت أنظر من خلف نافذة الطائرة. وإذا بي المح مرسيدس أسود، يقف قبالة السلم الكهربائي. فعرفت بأن شخصية مهمة كانت قد رافقتنا على متن الطائرة. ثم إلتفتت لزوجتي لأمازحها علني أبدد علامات الحزن التي ارتسمت عليها وقلت ضاحكا: لقد اخبرتهم بأن يحضروا الكاديلاك وليس المرسيدس... إلا إنها قابلتني بابتسامة صفراء. عندها احتضنت ابنتي ورحت أقبلها لإداري تلك النظرة القاسية من زوجتي. وماهي إلا لحظات حتى استدعتني المضيفة وتبادلنا أنا وزوجتي نظرات الاستغراب. وما إن نهضت حتى أفاجأ بالمضيف المتأنق يخبرني بالاستعداد للنزول. وهممنا من بين الجميع وتوجهنا نحو الباب وما ان فتح باب الطائرة حتى شاهدت المرسيدس تنتظرني بالأسفل. وهناك من ينتظرني ويستعد لفتح الباب، خطوت بهدوء معانقا ابنتي وكنت أهمس في أذنها قائلا: أطمني فانتي سعودية.“
لقد بدأت الرحلة من مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، عندما بدأت ابنتي ذات السنتين تفقد قدرتها على الحركة. فبعد ان بدأت تعرج كانت قد انتهت بالزحف. وكل ذلك أمام عيني التي تمزقت من الحرقة والالم خصوصا عندما أخبرني الطبيب بأن الورم السرطاني بدأ يلتف حول الحبل الشوكي، والذي قد ينقطع في أي لحظة. وهنا تمنيت بأن أصاب بجميع أنواع الشلل وان تقطع كل اوردتي وشراييني عوضا عن ابنتي. وعلى أثر ذلك فقد أدخلت ابنتي للطوارئ مباشرة وماهي إلا ساعات وألتف من حولها مجموعة من الكفاءات تسبقهم رحمة الرب. ليزفوا لي أجمل خبر، فقد أزالوا الورم وازالوا الخطر عن ابنتي وبعد ذلك سافرنا على الدرجة الاولى على متن الخطوط السعودية والإقامة في فندق فخم، وذلك لاستكمال العلاج اللازم. حيث تم اختيار أحدث وسيلة علاجية على وجه الارض وكان ذلك في مستشفى جوستاف روسي بباريس، إضافة إلى مستشفى ليون باريد في ليون. وتم صرف راتب شهري يعادل ثمانية عشر ألف ريال سعودي. مما يعني انه اعلى من راتب المدرس الفرنسي بخمسة آلاف ريال. أي مجموع خمسة واربعون ألف ريال لزوجتي وابنتي وأنا. وتم إدراج أسمائنا ضمن التأمين الطبي أيضا، ولمدة خمسة أشهر مع وابل من الاتصالات التي تأتي من الملحقية الصحية ما بين متابعة واطمئنان عن أحوالنا. وكانت الكلمة الدائمة التي يرددها موظف الملحقية ”تذكروا بأنكم تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونحن في خدمتكم دائما“.
لقد كانت تلك الكلمات بحد ذاتها نيشان فخر عندما أسير مع زوجتي وابنتي على الشانزليزيه، او عندما أرمي بنفسي بجانب البحيرات في ريف ليون. ام عندما أمر من تحت قوس النصر. ومازلت أتذكر نظرة رجل الامن في مركز الشرطة عندما عرف بأني سعودي وهو يشير لي بأن أتوجه نحو مكتب خاص. واقصد خاص أي أني لم أقف في الطابور كما البقية. وخاص أي لم تمضي غير دقيقة حتى صرت على تواصل مع موظف السفارة السعودية لأخبره بأن جوازاتنا قد سرقت. ليخبرني بأنه سوف يتم إصدار جوازات بديلة وأن عملية العلاج مستمرة.
خمسة أشهر قضيتها في الغربة ما بين عيون الوطن وما بين مشاهدة ابنتي تعود لتمشي من جديد لقد حارب وطني لأجلنا، ومنع وقوع الموت ومنحنا الحياة وعندما دخلت طائرتي أجواء وطني أخبرت زوجتي بأننا عدنا لجنة المأوى من جديد. ولأننا في وطن ذو حضن دافئ وقلب رحيم وكريم على أبنائه. فقد انهمرت الدموع من عيون زوجتي. وفاقت حينها ابنتي من غفوة عميقة. وما إن فتحت عينيها حتى ارتسمت على عيونها نظرة لن أنساها للأبد وكأنها تقول وطني ثم وطني ثم وطني ثم ابتي وأمي...