قصة قصيرة
دموع بين الجنتين
كان وصولهم إلى كربلاء عصراً لهذا قرر بعضهم الخلود للراحة، لكنها استعدتْ للزيارة، وحملت طفلتها، وانطلقت تمشي مسرعة لا تريد أن يضيع من وقتها دقيقة.
وفي منطقة بين الحرمين أخذت تتصفح وجوه النساء، تسألهم الدعاء ”قلدناكم الدعاء والزيارة“، لكنها في الحقيقة تريد شيئا آخراً.
ففي إحدى الليالي قبل سنتين كانتْ تجلس هنا.. وكانتْ تنظر إلى قبة الإمام الحسين ثم تعود لتنظر لقبة العباس، وهي تتمتم بأدعية تحفظها بقلب منكسر.
وجلستْ بجانبها شابة وقورة، جعلت تقرأ الأدعية بصوت جميل وحزين وبطريقةٍ تجذب المستمع، وتجعل القلوب خاشعة.
التفتتْ لها زينب وسألتها: انتِ من كربلاء؟
قالت: لا.. انا من واسط
⁃ وين واسط؟
⁃ محافظة جنوب شرق بغداد.. وأكملت: انتِ من المدينة؟
⁃ لا.. أنا من القطيف.
وقبل أن تتكلم الواسطية سألتها زينب الدعاء شاكية لها حالها مع زوجها، فقد قسى عليها، وشاركه الزمان في قسوته.
وأخبرتها وكأنها أخيراً وجدتْ من تستمع لها: لم يرزقني الله بالأولاد رغم أني متزوجة منذ عشر سنوات.. ثم وجهتْ لها بحزن سؤال يجرحها: الأولاد بيدي أم بيد رب العالمين؟
ولم تنتظر جوابها بل أكملت: لقد ذهبت للعلاج في مستشفيات كثيرة، ولم اسمع بدواء إلا استخدمته.. وتنهدت وهي تكمل: الأمر ليس بيد الناس بل بيد رب الناس.
ثم رفعتْ رأسها وقالتْ بنفس متواصل: ياااااااارب.
التفتتْ لها الواسطية وقالت: الحزن سكينٌ لا يفرق بين كبير وصغير، والهم يطرق كل باب.. ونظرت لحرم أبي الفضل العباس وهي تشير يبدها: اطرقي هذا الباب فإنه باب الحوائج.
ثم انفجرت باكية وانقلب المشهد، صارت زينب تصبّرها وتأخذ بخاطرها.
قالت الواسطية: أنا أعرف أنك محزونه ولكن لو تعلمين ما بي لهدأ حزنك.
كنا قبل سنة أسرة مكونة من ثلاثين شخصاً، أب وأخوة وأخوات وأحفاد، وفجأة لم يبق إلا أنا وأمي.
كنا عائدين لقريتنا من زيارة سيد الشهداء في حافلة استأجرها أبي، وفي الطريق تعبت أمي المريضة أصلاً، فقرر أبي أن أركب معها في سيارة أجرة، لتصل أسرع للبيت، وترتاح.
وصلنا للبيت وانتظرناهم أكثر من ساعة لكنهم لم يصلوا، وفي نشرة الأخبار علمنا أن إرهابيين أوقفوهم في نقطة تفتيش وهمية وأطلقوا عليهم الرصاص فاستشهد كل من في الحافة.
وعادت الواسطية للبكاء وبكت معها زينب.
ثم التفتتا إلى ناحية الإمام الحسين وقالت الواسطية ورددتْ معها زينب: يا الله بحق الحسين الشهيد نجنا من حزننا وكربنا.. يا أبا عبدالله يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله. ”ما خاب من لجأ لك يا أبا عبدالله.. ما خاب من نخاك يا أبو فاضل“.
عادت زينب لتفي بنذرها، ولتبشر الواسطية بتحقق حلمها، وأنها تعيش في نعمة طلبتها من الله في هذا المكان قبل سنتين.