و للمرأة حُرية الاختيار
غريبٌ جدًا أمر ربط تصرفات المرأة الراشدة في مجتمعاتنا الناطقة باللغة العربية بأقربائها من الذكور حتى بعد تجاوزنا عِقدين كاملين من القرن الواحد والعشرين، وكأن تلك المرأة تظل غير مُكتملة الأهلية في المُجتمع وغير مُستحقة لاتخاذ أي قرارٍ بإرادتها الحُرة مهما كان سنها، ومهما بلغت من المراتب العلمية والعمل والمالية!
قد يكون من أطرف المقولات المُبتذلة تلك المقولة التي تنسب احتشام المرأة أو عدم احتشامها المُتمثل بنوع الملابس التي ترتديها وفق معايير المُجتمع ومقاييسه «أو ما اعتاد عليه وما توارثه» إلى ما يُسمى ”تربية أبيها، وغيرة أخيها، ورجولة زوجها، وأخلاق جدها، وشهامة ابن عمها، وجدعنة القط البلدي الذكر الذي يُقيم في أقرب مكب للنفايات قرب بيتها!“، وهي مقولةٌ يُصنف مضمونها باعتباره ”شكلاً من أشكال التعنيف“ وِفق المقاييس العالمية في عصرنا الحاضر، لأنها تعتبر التعدي على حقوق انسان راشد من مُنطلق ”عُنصري“ بحت لمجرد أن هذا الإنسان الراشد ”أنثى“، عدا عن كونها بعيدة عن واقع العصر الذي وهبت فيه القوانين الرسمية للمرأة في البلدان العربية حق الاستقلال بكل شؤون حياتها وقراراتها باعتبارها ”مواطِنة كامِلة الأهلية“ مادامت تحترم قوانين الدولة التي تعيش بين حدودها، وما بقاء الصورة المُجتمعية الدافئة التي تربط أواصر العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة ذكورًا وإناثًا إلا لأن الناس يُحبون بعضهم بعضًا، أو يحترمون بعضهم بعضًا، أو يحتاجون بعضهم البعض، لا لأن الأمر ”فرضًا“ قسريًا يُلزم كل أُنثى على ”السمع والطاعة“ كما يظنّون.
من جانب آخر؛ دعونا نتخيل أن امرأة توفي زوجها في حادث مؤسف بعد إنجابها طفلتها الأولى بأيام قليلة، واختارت أن تُسمي تلك البنت ”ليلى“، ترعرعت ليلى يتيمة الأب، وليس لها اشقاء ذكور، ولا جد لها لأن جديها لأمها وأبيها توفيا قبل أن تولد بزمنٍ بعيد، ولا عم لها لأن والدها وحيد أبويه، أما والدتها فليس لها إلا شقيقتين أُنثيين، ومع أن ليلى بلغت سن الرشد القانوني بعد مُضي الأعوام، وصارت موظفةً في إحدى المؤسسات المرموقة، إلا أنها لم تتزوج بعد، كما أن سُلم البناية التي تُقيم فيها مع والدتها اعتاد أن يستضيف قطة أُنثى تم اكتشاف أنوثتها بعد أن أنجبت خمسة هررة صغيرة، يبدو أن والد هؤلاء الهررة هو القط البلدي الذي يُقيم في أقرب مكب للنفايات؛ لكنه قطٌ بعيدٌ عن ”الجدعنة“ لأنه ترك زوجته المسكينة تُعاني بمُفردها مع هؤلاء ”العِيال“.
تخرج ”ليلى“ كمُعظم الكائنات البشرية الطبيعية إلى السوق بين حين وآخر لاقتناء بعض الملابس، ولأن لكل انسان ذوقه الخاص؛ فإن ذوقها كان يُفضل الملابس ذات الأكمام الطويلة والألوان غير المُلفتة، ولا علاقة للأمر هنا بأي توجه ديني لأنها ”غير مُتدينة“ رغم أن والدتها مؤمنة صالحة مُخلصة التديُّن! لا يوجد هنا ما يُسمى تربية الأب، أو غيرة الأب، أو رجولة زوج، أو أخلاق جد، أو شهامة ابن عم، أو حتى جدعنة قط بلدي! إنها ”خيارها الشخصي“ الخالِص دون أدنى تدخل أو تطفل ذكوري.
مُحاولات استعداء الذكور على الإناث ببرمجة عقولهم برمجة توحي لهم أن التطفل على الشؤون الخاصة بخيارات النساء حق أصيل من حقوقهم الشخصية أمرٌ عفا على تأثيره الزمن، وغدا مثيرًا لسُخرية أي عاقلٍ استطاع النجاة من أوهام الماضي ليواكب حقائق واقعنا الطبيعي المُعاش بكل مُعطياته وقوانينه.