آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

خطورة الخطاب وأدواته في الأزمات - جائحة كورونا أنموذجًا

الدكتور أحمد فتح الله *

عرض وقراءة لكتاب: ”الفيروس الآخر، التواصل والتضليل في زمن كوفيد-19“

الفيروس الآخر، التواصل والتضليل في زمن كوفيد19في شهر مايو 2020م صدر كتاب ”الفيروس الآخر، التواصل والتضليل في زمن كوفيد-19“ [1]  «L`altro virus, comunicazione e disinformazione ai tempi di Covid-19» عن دار نشر ”الحياة والفكر“ «Vita e Pensiero»، الإيطالية، بتحرير ماريانا سالا وماسيمو سكاجليوني. وضعت المقالات المحررة، وعددها 18 مقالًا في جزئين: «10 مقالات في الجزء الأول تناولت قضايا ”البلاغة ووسائل الإعلام“، وفي الجزء الثاني 8 مقالات تناولت ”المجتمع والقانون والمؤسسات“».

في جزئه الأول يلقي الكتاب الضوء على أهمية دور الإعلام التلفزيوني وكيف دفعت الأزمة الشعب الايطالي للعودة لشاشة التلفزيون لمتابعة الأخبار ”لأنها موثوقة ومختارة وفق معايير احترافية أدق من معايير اختيار الأخبار التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي التي تمتزج فيها الأخبار الموثوقة مع الأخبار المزيفة في الكثير من الأحيان“. كما يتناول دور ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعد ”مصدرًا للكثير من الكلمات الشعبية الجديدة“. لم تقتصر دراسة ”لغة الأزمة“ في إيطاليا، فحسب، بل أيضًا في فرنسا والمملكة المتحدة وأمريكا وألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة، من خلال تحليل أسلوب الخطابات الرسمية التي ألقاها رؤساؤها وكبار المسؤولين في تلك الفترة.

الجزء الثاني من الكتاب ركز على الجانب الاجتماعي المتعلق بلغة التواصل في زمن الأزمة متناولًا مفهوم ”الإنفوديميا“ «infodemia»، وباء التضليل ، والتداعيات الاجتماعية التي قد تنجم عن تداول الأخبار الزائفة. هذا الوضع يخلق معضلة للمسؤولين وفرق إدارة الأزمة؛ الموازنة الصعبة في مكافحة الجائحة، هي بين المراقبة التكنولوجية على الشعب مع التحكم المطلق في المعلومة والحفاظ على حريات المواطنين وثقتهم. وقد استعرض المحرران الكتاب في مقدمة رصينة مكتوبة بمهنية عالية، بعيدة عن الاسفاف والغموض، وفي الأسطر التالية، ترجمة لها بتصرف [2] .

عرض مختصر لمقدمة الكتاب

أظهر وباء فيروس كورونا مدى أهمية ”إدارة الاتصال والتواصل“ على جميع الأصعدة، ففي أوقات الأزمات، أو ”الحرب“ «استعارة استخدمت في أزمة كورونا» يصبح الاتصال أكثر أهمية ”للحفاظ على مجتمع موحد بمرور الوقت“. إن القدرة على إدارة الاتصال بشكل أفضل لصالح المجتمع أو ”الصالح العام“، هي أمر حيوي.

ولهذه الأسباب وغيرها، قررت مجموعة من العلماء والمهنيين الأكفاء في مختلف المجالات، وفي ظل التحفيز المستمر للأخبار خلال فترة ”الحجر الصحي“ «quarantine»، مناقشة الدور الذي لعبه التواصل خلال هذه المرحلة من الجائحة. وهكذا تعددت الموضوعات وتشابكت بين الصفحات التي بين يدي القارئ «قارئ الكتاب»: الدور الذي لعبته وسائل الإعلام القديمة والجديدة، والتواصل السياسي والعلمي، وكلاهما وثيق الصلة بإدارة الأزمات، وانتشار الأشكال من المعلومات المضللة التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي قبل كل شيء، وتحديات المراقبة والخصوصية، والدراسة، والعمل ”من بُعد“ بفضل الإنترنت وغيرها.

هذا الكتاب يحاول تقييم الأخطاء والمشاكل المختلفة في التواصل وقت جائحة كورونا، مع تحليل القضايا المتعددة التي تتشابك في هذه الفترة من وجهات نظر عديدة لإيجاد أرضية للحوار. هذه القضايا هي:

- تُناقش بشكل مثالي من قبل علماء السياسة وعلماء الإعلام وعلماء الاجتماع ورجال القانون والمحامين والاقتصاديين واللغويين وعلماء الكمبيوتر والأطباء وعلماء الأدب.

- تَبَنِّي وجهة نظر مقارنة دولية، والتي تبدأ من إيطاليا وتلامس الدول الأوروبية الرئيسة والولايات المتحدة الأمريكية.

لقد أجبر الحجر الصحي الناس على إعادة برمجة حياة جديدة لهم، حيث أصبحت التكنولوجيا، وخاصة ”الإنترنت“، هي الأداة الوحيدة للعمل والتواصل العام والتواصل الاجتماعي والتعلم. ليس فقط هذا، لقد أجبرهم الخوف من الفيروس «عدو غير مرئي وشديد الفتك» على الابتعاد عن كل شيء كان دائمًا جزءً من الحياة اليومية، وهم في حالة خوفٍ دائمة. ولهذا جاءت سلسلة من ”التبعات“ التي تؤثر على المجتمع: من انتشار الأخبار الكاذبة في الأمور الصحية؛ الرغبة في ”الرقابة الاجتماعية“ وتتبع تحركات الأفراد لأغراض وقائية، إلى الاستخدام شبه الكامل للشاشات «التلفزيون والكمبيوتر والهواتف الجوالة» لـ ”رؤية الواقع“.

الجزء الأول من الكتاب مخصص لـ ”البلاغة والإعلام“

من خلال نظرة متعددة التخصصات، تم وضع دور التلفزيون باعتباره ”جهاز قياس الزلازل للأزمة تحت العدسة المكبرة، بين الطلب على المعلومات وإقامة الطقوس“ «مقال سكاليجوني»، لتتم قراءتها في ضوء التحولات التي ميزت عوالم الشبكات ووسائل التواصل الاجتماعي، بين التواصل المؤسسي واحتياجات المشاركة والنقاش والنقد أحيانًا التي تظهر من المواطنين العاديين عبر ”تويتر“ «Twitter» أو ”فيسبوك“ «Facebook» أو ”انستغرام“ «Instagram» «مقال فيتانديني مع كاريللي». بينما ثلاث مقالات «لبالانو، وكاستيلن، وفيلا مع سفرديني» تعكس ما نجح ومالم ينجح في تواصل السياسيين والعلماء والخبراء والناشطين.

القسم الأخير من الجزء الأول يلج في المقارنة الدولية، لفهم الممارسات الجيدة والسيئة للاتصال في كُلٍّ مِنْ:

إيطاليا «فيلا ماريا لويزا»، فرنسا «ماريا تريزا زانولا»، المانيا «فيديريكا ميساجليا»، بريطانيا «إنريكو ريجياني»، أسبانيا «آنا جونزاليس نييرا، وسالومي بيروكال - جونزالو»، والولايات المتحدة «ماسيميليانو بانا راري».

الجزء الثاني من الكتاب، بعنوان ”المجتمع والقانون والمؤسسات“، يتناول مسألة تأثيرات ”كوفيد-19“ «Covid-19» من وجهات نظر مختلفة. في البداية تتطرق «ماريانا سالا» إلى موضوع ”وباء المعلومات“ - أي نشر عدد لا يمكن السيطرة عليه من الأخبار المزيفة - والتي خاطرت ”المرحلة الأولى“ بتأجيج الخوف الجمعي، وتكييف النقاش العام و/أو إحداث سلوك صحي غير صحيح «مقال هول». بعد تقييم ”خصائص التضليل العلمي“ «مقال ماركو دلماسترو» والأسباب في أساس الظاهرة، بما في ذلك الأسباب الجيوسياسية «مقال غبريالي صوفيا»، تواصل تحليل إجراءات التباين التي تنفذها المؤسسات والمنصات الرقمية العالمية الكبيرة «”قوقل“ Google» و«”فيسبوك“ Facebook» «مقال إيفانا ناستي»، وكيف فضل الإنذار الصحي ”الحاجة“ إلى التحكم والمراقبة واستخدام الطائرات بدون طيار والتطبيقات وغيرها من أدوات التتبع وتحديد الموقع الجغرافي، في محاولة للتحكم في التحركات ومنع العدوى بين الأفراد «مقال جيوفاني زيكاردي»، وتوازن حماية الصحة العامة وحماية خصوصية المواطن الفرد، حتى في مكان العمل «مقال شيارا سيسيا روميتو وألساندرا سالوس».

أخيرًا، لوحظ أن ”المرحلة الأولى“ أنتجت طريقة جديدة للتفاعل مع التكنولوجيا، حيث ظهر الإنترنت كأداة مفيدة للتواصل عن بعد «مقال ستيفانيا غاراسيني». ويتسائل المحرران عمَّا إذا كان التعامل مع التكنولوجيا سيتغير مع بداية ”المرحلة الثانية“ وما بعدها، وفي المقال الذي يليه، يؤكد روبن رازانت أن توحد جميع الإدارات المتداخلة وتعزيز المعلومات المهنية، ساهمت في الحد من انجراف الأخبار المزيفة، لكن يعلق المحرران هنا بأن المعلومات المهنية لا تكفي إذا لم يكن هناك مَنْ يقرؤها، ويحثان على دور المدرسة والأسرة.

ويختتم ماريانا سالا وماسيمو سكاجليوني مقدمتهم بالقول: ”هذا الكتاب، الذي وُلد في“ أيام الإغلاق «التام» ”«lockdown»، يحاول وضع هذه المرحلة الخاصة من حياة مجتمعنا تحت العدسة المكبرة. لم تكن الكتابة خلال فترة الطوارئ سهلة، لأنها تطلبت مجهودًا إضافيًّا لمحاولة التفكير بشكل منفصل قدر الإمكان“، ويضيفان: ”نعتقد أن هذه الصفحات يمكن أن تكون مفيدة للتفكير في مقدار العمل الذي تم إنجازه ومقدار ما يزال يتعين تحسينه لإعادة إعمار البلاد وتعافيها.“

إن مثل هذه البحوث الرائدة والمبادرة في جمعها ونشرها مهمة جدًا لإدارة الأزمة الصحية الحالية وتبعاتها التي تتطلب وضوحًا وشفافيةً في الخطاب الرسمي لاستيعاب وفهم الرسائل المقصودة. وإذا اُستعملت ”اللغة“ بشكل غير سليم، قد تكون أخطر من ”كوفيد-19“، الفيروس الذي نتكلم عنه بها، خاصة مع ظاهرة ”وباء المعلومات“. وأكاد أجزم أنه لا يختلف إثنان على ”دور اللغة“ في حياة الناس، وخاصة في الأزمات. فاللغة، بالمفردات والمصطلحات المتناثرة، وبأسلوب الخطابات الرسمية وغير الرسمية، قد تُسَرِّع أو تُبَطِئ خروجَ المجتمع من الأزمة.

أتمنى من كل قلبي، أن تكون جائحة ”كوفيد-19“، قد نبهت حكام الشعوب، على اختلاف أنظمة الحكم، أنه كلما زاد الخطاب الرسمي من الساسة والمختصين من تحتهم في وقت الأزمات وضوحًا وشفافية، كلما زادت ثقة الشعوب فيهم وزاد اطمئنانهم. في الأزمات ”لا مجال للغة السياسة“، ولا للسياسيين ”لغة“ غير ”لغة المواطن“، ببساطتها وعفويتها وصدقها في ”الرسالة“ وثقتها في ”المرسل“، واحترام ”المرسل إليه“. الفيروس لا يُرى ولا يُسمع، لكن ”الكلمات“ تُسمع وتُرى؛ فاللغة الواضحة، كالمجهر النظيف، تجعل أيَّ خطرٍ مرئيًّا ومسموعًا ومفهومًا فتسهل هزيمته والقضاء عليه، ولعلَّ العالم، إن صحت الأخبار، خاصة في الأيام الأخيرة، يجد عبرة في ما جرى ويجري في الولايات المتحدة الأمريكية.

[1]  انظر مقال الكاتب بعنوان ”لغة الفيروس وفيروس اللغة“ المنشور في جهينة بتاريخ 11-01-20210م على الرابط التالي:
https://www.juhaina.in/?act=artc&id=74475

[2]  ترجم النص الإيطالي إلى اللغة الإنجليزية عن طريق ترجمات آلية على الشبكة العنكبوتية، وذلك بعد عدم توفقي في بحثي عن أحد يجيد اللغة الإيطالية، ثم تم التعامل مع النصوص الإنجليزية المترجمة مباشرة.
تاروت - القطيف