الحسرة على ذكريات الطفولة
الذكريات والحنين إلى أيام الطفولة هو الشعور بالاطمئنان الذي يغمرك عندما تذهب إلى بيتك القديم وتقلب أوراق الذكريات، أو تطالع تلك الصور التي تجمعك مع الأهل والأحباب والأصدقاء، وتسترجع شريط الذكريات وكيف كانت حياتنا اليومية في البيت والمدرسة وفي المزارع وبين صابات الفريچ، والتي كانت تجمعنا فيها الطيبة والمحبة والأخلاق.
القيم والأخلاق عند الناس في الماضي هي بلسم لهدوء الروح والنفس في ذلك الزمان، والذي كنا نسهر على ضوء القمر وننام على ظلام الليل ونصحوا على صيحة الديك فوق السطوح وبين سعف النخل، وعلى أصوات زقزقة العصافير، وعلى صراخ البقر، ونهيق الحمير، ونباح الكلاب، وأصوات العواوي وغيرها من الحيوانات التي توقض النائمين بطلوع الفجر في زمن الطبيعة.
والله نتحسر بس نذكر ذيك الأيام لما كنا صغار في كل عصرية مع رفاق الطفولة نلعب الكورة في ملعبنا الصغير بين ضواحي النخيل، وعندما يوصل باص أرامكو جايب العمال كل واحد حامل له مطارة ماء بيدر وبيده ماسك أوراق، نتوقف عن اللعب ونركض نستقبلهم هذا حامل المطارة وذاك شايل الأوراق، ونخص بالذكر المرحوم الحاج «يوسف الحجاج» الذي كنا نتسابق على من يحمل عنه «مطارة» الماء ونوصلها الى باب بيته على أطراف ديرتنا الجميلة، ومن نوصل نوقف على الباب ننتظر هديتنا من عنده وهي كم «سير» ربل «لفلاتياتنا» الي نصيد بها الطير ويعطينا مجلة ما نعرف اسمها بس يقولوا ”قافلة الزيت“.
الله نتحسر بس نذكر ذيك الأيام لما كنا صغار في كل مساء نقعد على الباب نحارس أبونا يرجع البيت حامل معاه الخير أشكال والوان وهو مبتسم فرحان، لكن وجهه متعب ودبلان ومن يشوفنا يضحك فرحان وحنا نحضنه ونحبب ايديه، وتظل تلومنا أمنا الحنونة وتنادي تركوا أبوكم تراه تعبان، لكنه من يسمعها يبتسم وتنزل دموعه في العين ويقول ليها كل تعبنا يستاهلونه ذولا حزام ظهري بساعة الضيق، ولَك إنت في الشدة أعوان.
الله نتحسر بس نذكر ذيك الأيام لما كنا صغار نصلي في المسجد ونرجع البيت، وتنادينا أمنا الحنونة للعشاء ونتجمع كلنا على سفرة وحده وأمنا تنچب العيش، وأبونا يصيح أكلوا يا أولادي وسموا بسم الله ونحمد الله على النعمة ونقول إلى أمنا الله يعطيك العافية وإلى أبونا الله يغنيك، ونجلس في غرفة واحدة نسمع حچاية أمنا وأبونا قبل لا نام فوق الحصير المغطى بالأخياش والكل مرتاح.
الله نتحسر بس نذكر ذيك الأيام الي تربينا فيها على أكتاف أبونا ولعبنا سنين وما تعبت امتونه ويحرص يلبسنا أفضل الثياب وهو محروم حتى ملابسه مقلوب لونها من التعب وحر لشموس، ونذكر لعبنا في كل ظهيرة وأمنا تصيح أبوكم نايم من التعب ترى لا تزعجوه، وإذا چل چل الليل الكل يلود جنبه يراضيه وأبونا ترى بذنيته ما يوم يرتاح، الدنيا صعبة وعاشوا قسوة الحياة تعب وفقر لكن ما نزل الرأس، بس يصير أضعف رجل بالعائلة من يمرض واحد من الأولاد.
الله نتحسر بس نذكر ذيك الأيام ونشوف أبونا يحمل من المشاكل أشكال والوان، لكنه لا يتحمل عتب أمنا وزعلها وكل أنواع التعب مو مهم عنده بس الكل مرتاح ولا منة أحد تمس الأولاد، أبونا علمنا محبة الأهل والنَّاس ومحبة الجيران، حنون وقلبه طيب وطبعه محبوب، أبونا يغرق حنانه علينا وما يرتاح قلبه ولا تغمض له عيون إذا ما كنا في البيت، يطلع يدورنا وتلومه الوالده تريده يرتاح ويقول الها برقبتي هادولا الأولاد ونعرف كلمته هادي من حرصه علينا.
وفي ختاماً إن الأيام والسنون تمر وتهاجر لكهف الذكريات، ولا يبقى سوى البعد والفراق مخلفة وراءها الحنين لتلك الأرواح التي عشقناها منذ زمن الطفولة البريئة، ونتسائل الآن: أين هو ذلك الزمان الذي كان نقيا وطاهرا وصافيا كصفحة السماء؟ كان زمن لا يحمل الأعباء ولا تسكن فيه الهموم، ولا يشغلنا سوى اللعب واللهو بين الفرچان، كانت أمانينا جميلة نرسم ربيعا رائعا في ديرتنا التي كانت أرضها خضراء وأشجارها ونخيلها مائلة والورود حولنا مبتسمة والبحر تتلاطم أمواجه بجدران منازلنا!