آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

الحزب الجمهوري إلى أين؟

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

يعود تأسيس الحزب الجمهوري الأمريكي، إلى الحركة المناهضة للرق، بالولايات المتحدة خلال خمسينات القرن التاسع عشر، وأعلن عن تأسيسه، تحت مسمى الاتحاد القومي في 6 يوليو/تموز عام 1854. فاز ابراهام لينكولن برئاسة الحزب، عام 1860، وفاز في نفس العام بالانتخابات الأمريكية، ضد منافسه من الحزب الديمقراطي الجنوبي، ستيفن دوجلاس، وممثل حزب الاتحاد الدستوري الجديد جون بيل. وقد تركز الصراع بين المتنافسين آنذاك، حول معركة تحرير الرق، التي قادها الجمهوريون، وعارضتها أحزاب الجنوب.

الحزب الديمقراطي، هو الأقدم بين الحزبين الرئيسيين؛ حيث تأسس بالجنوب الأمريكي عام 1828م، واستمر لاعباً رئيسياً، مثل نظيره الجمهوري، في الحياة السياسية بالولايات المتحدة.

ما يهم في هذه المقدمة، ليس ظروف نشأة الحزبين؛ بل القوى الاجتماعية التي يمثلانها. الحزب الجمهوري، ظل منذ بداياته ممثلاً للأوليجارشية الصناعية، في حين كان الحزب الديمقراطي بالجنوب، هو الحارس الأمين لمصالح الإقطاع، والمنافح بشدة ضد تحرير الرق، لأن ذلك سيحرم ملاك الأراضي، من القوة البشرية، التي يحتاجون إليها لحراثة الأرض.

الحزب الديمقراطي، بقي لفترة طويلة، بالفكر والممارسة على يمين الحزب الجمهوري، مدافعاً عن قيم الإقطاع القديمة، في حين كان الحزب الجمهوري، مدافعاً عن الطبقة الرأسمالية الفتية، التي كانت كل المؤشرات تشير إلى أنها الأقدر على قيادة المجتمع، وإلحاق الهزيمة بمنظومة القيم القديمة. وعلى ذلك فإنه كان في تلك الحقبة، الممثل الحقيقي للقيم الليبرالية.

هذا الواقع، تغير لاحقاً بشكل جذري، بعد إلحاق الهزيمة بالإقطاع؛ حيث تحول الحزب الديمقراطي، من كونه حزباً يتمركز في الولايات الجنوبية، إلى حزب يعمل على امتداد الساحات الأمريكية بأكملها، ويتغلغل في الطبقات المتوسطة، وينتقل من يمين الجمهوريين إلى يسارهم، فيغدوا حزباً راديكالياً، بالقياس إلى أوليجارشية الحزب الجمهوري.

وفي الوقت الذي بقى الحزب الجمهوري، ثابتاً في مواقعه الفكرية، تأثر الديمقراطيون بالنظرية الكنزية، ودولة الرفاه. واستمر صعود أحد الحزبين، سواء للكونجرس، أو سدة الرئاسة، قرابة قرنين من الزمن، مرتبطاً بمستوى التضخم والانكماش، في الاقتصاد الأمريكي. وهنا مربط الفرس، في الإجابة عن السؤال الذي تصدر عنوان هذا الحديث: أي مستقبل للحزب الجمهوري، بعد اقتحام مبنى الكابيتول، من قبل أنصار الرئيس، رونالد ترامب، في السادس من هذا الشهر.

في الولايات المتحدة، لا توجد أحزاب سياسية، قادرة على التنافس مع الحزبين الرئيسيين. وقد لا نجانب الصواب، حين نقول إن ذلك، أمر غير مسموح به، عملياً، من قبل المكونات الاجتماعية المهيمنة، وإن غابت القوانين التي تنص على ذلك. وليس أدل على ذلك، من شيوع المكارثية، بمختلف أشكالها، عند أي تهديد محتمل لتوازنات القوة القائمة، التي يمثلها وجود الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري.

إن غياب أحد الحزبين الرئيسيين عن الساحة السياسية، مع عدم وجود أحزاب أخرى منافسة، يحمل معنى واحداً فقط، هو سقوط النظام الديمقراطي، بنسخته الأمريكية. وذلك ما لا تسمح به القوى الفاعلة في صناعة السياسية الأمريكية، سواء في مجموعة المصالح أو الدولة العميقة، أو القوى الاجتماعية المهيمنة، والمتمثلة، حالياً في الطبقة الأرستقراطية، التي تقود الحزب الجمهوري أو الطبقة المتوسطة، التي يمثلها الحزب الديمقراطي.

ومن هنا نفهم، لماذا يتحدث جوزيف بايدن، عن أهمية عودة التماسك والوحدة للحزب الجمهوري، لأن تفكك الحزب وانقسامه، يضعف المعارضة للحزب الديمقراطي، وذلك ما يترك فراغاً سياسياً هائلاً في النظام السياسي الأمريكي، قد تسده قوى من خارج الحزبين. وهو ما يتعارض مع شكل النظام الحالي، ويعرض مصالح القوى الاجتماعية التي تقف خلفه للمخاطر.

وبهذا أيضاً نفهم، لماذا تراجع ترامب عن خطابه الأول التحريضي، فتبرأ من العصاة، الذين حرضهم في العلن، على التظاهر، واكتساح مبنى الكابيتول. إنه بالتأكيد ضغط قادة الحزب على الرئيس، بسبب الخشية من ضياع هيبة الحزب، وتعرضه للانقسام.

سيستأثر الحزب الديمقراطي بالسلطتين: التنفيذية والتشريعية، على الأقل بالسنتين القادمتين، لحين انفضاض الانتخابات النصفية القادمة للكونجرس الأمريكي. وقد تمتد سيطرة الحزب على المؤسستين لأربع سنوات. لكن الحزب الجمهوري سيعيد بناء هياكله، وسيقوم بمراجعة نقدية لسياساته، وإذا لم يقبل الحزب وهو أمر مستبعد، بتحقيق ذلك، فإن التراجع الاقتصادي الأمريكي والعسكري، في مواجهة الصين وروسيا، سيعزز بتراجع سياسي، بما يعجل في تغيير توازن القوة الدولي، على جميع المستويات، وهو ما لا نحسب أن أوانه سيأخذ مكانه بالقريب العاجل.. وليس علينا سوى الانتظار.