حورية إنسية
الصديقة الطاهرة، الحوراء الأنسية «حورية أنسية»، أم أبيها، البتول، سيدة نساء العالمين، زوج الأنزع البطين، أم السبطين الحسن والحسين، الزهراء.
تلك هي بنت حبيب رب العالمين، فاطمة سلام الله عليها، وما أدراك ما فاطمة، عزيزة رسول الله وأحب الناس إليه. تلك الشخصية العظيمة خلقها الله ذات طابع إنساني في الشمائل، وحورية من الجنان في الصفات والفضائل «حورية إنسية» لقول رسول الله فيها ﴿فاطمة حوراء انسية، كلما اشتقت إلى الجنة شممتها، أو في قول قبلتها﴾.
كيف لا فقد وهبها الله حظاً وافراً من الكمال، ونصيبا وافياً من الروحانية، بل إنها مخلوق ملكوتي ظهر في هذا العالم على شكل أُنثى وليست أي أُنثى حيث لم تبلغ أي أنثى تلك المنزلة الرفيعة والخصائص الكمالية التي حباها الله جلت قدرته ومشيئته فيها لتكون آية وهبة ربانية لنبيه صل الله عليه وآله، ووالدة حملة دينه، وبسط العدل في أرضه.
الصديقة الطاهرة، طهرها الله من الدنس فهي من فصيلة اولياءه، فكفاها ان الباري جل وعلا أثنى عليها وخصها بآيات محكمات في كتابه العزيز تُتلى آناء الليل وأطراف النهار، بل يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها، ليذكر العالم بفضلها وحفظ حقها وكرامتها وقرابتها من حبيبه ورسوله محمد صل الله عليه وآله.
هي الوارثة لصفات أبوين لا مثيل لهما في جوانب الكرامة والطهر والنبل والخلق العظيم:
أبوها محمد بن عبد الله أطهر وأشرف مخلوق على وجه الأرض وخيرة خلقه وآية قدرته، الموصوف في كتابه ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ المنعوت بالأمانة في قومه والصبر والتحمل في ابلاغ رسالته، فهي ، قرة عينه، وثمرة فؤاده، وروحه التي بين جنبيه ﷺ.
أما أمها فخديجة سلام الله عليها سيدة قومها، الامرأة الحكيمة وافرة الذكاء ذات الشرف والعفاف، المناصرة لزوجها، والمضحية بمالها في سبيل إعلاء كلمة التوحيد ونشر الرسالة المحمدية، والمدبرة لأمور حياتها حيث استطاعت بفكرها الوقاد وحسن بصيرتها ان تدير عجلة التجارة والتصدير والإستيراد متفوقة على أهل زمانها.
وبما إن صفات الأبوين تنتقل بالوراثة من التكوين في صلب الأب ثم انتقال الجنين إلى بطن أمه ونموه، حتى بعد الولادة تظهر صفاته.
كما أن للرضاع له دور عجيب في صفات الطفل، فكيف بمن رضعت ذلك الحليب الطاهر من تلك المرأة الطاهرة، فشاءت قدرة الله أن ينمو هذا المولود الشريف ببيت الوحي وينبت في مهبط الرسالة، يزقها أبوها العلوم الإلهية والمعارف الربانية، حيث وجد الرسول فيها كامل الإستعداد لقبول العلوم والمعارف والتهيؤ لصعود مدارج العلم.
هي زوج أول الناس ايماناً، وأحسنهم اسلاماً، أمير الكلام، ومن قال عنه رسول الأنام، لحمه لحمي ودمه دمي، وهو عيبة علمي، أي وعاء علمي الحافظ له.
هو من انتخبه الله من دون سائر الخلق واصطفاه وهذبه ليكون وصي رسول الله وزوج ابنته وامتداد نسله، ذاك علي بن ابي طالب سلام الله عليه فلولا علي لما كان احد كفؤاً لفاطمة ولو لا فاطمة لما كان أحد كفؤاً لعلي سلام الله عليهما.
هي أُم شبرٌ وشبير، الحسن والحسين عليهما السلام ومن قال فيهما جدهما رسول الله ﷺ ﴿الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خيرٌ منهما﴾ ﴿ابناي هذان إمامان، قاما أو قعدا﴾ ﴿إن ابني هذين ريحانتي من الدنيا﴾.
من نزلت فيهما الآيات المحكمات، الدالات على علو شأنهما «آية المودة» «وآية المباهلة» «وآية التطهير»
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ بمضمونها ومفهومها ودلالاتها الواضحة على فضلهما.
هذه هي الزهراء البتول، بنت الرسول، أم الحسنين، وزوج فارس بدر وحنين أمير المؤمنين، صلوات الله عليهم اجمعين.