كورونا: مقاربات ومفارقات
في زمن كورونا كل شيء يتحرك بسرعة، ما يتيح هامشا ضيقا لاتخاذ القرار. في البدايات كانت هنالك دول تعطي للأمر طرفا ضيقا من اهتمامها، وكان هناك من يلومها لتراخيها. وعلى النقيض كانت ثمة دول تعطي أمر مبادأة كورونا كل اهتمامها، وكان هناك من يلومها لمبالغتها. ثم بدأ المشهد بعد ذلك يتضح، وتزول الضبابية، ليصل الجميع إلى نتيجة هي أن من تراخى قد أخطأ، ومن اهتم - مهما كانت درجة اهتمامه عالية - فلم يبالغ.
وفي بدايات منحنى التعلم للتعامل مع الجائحة، خرجت بريطانيا عن المألوف بخطة ”مناعة القطيع“، المثيرة للجدل. فبدت الخطة وكأنها استسلام مبكر بأن لا طاقة لبريطانيا للنهوض لكورونا، وأنها ستدع الجائحة تأخذ دورتها! لكن سرعان ما اتضح للحكومة البريطانية أن خطة ”مناعة القطيع“ تلك تلعب على حواف نظرية الاحتمالات، وتنطوي على رضوخ للتحديات، بما في ذلك تحدي السعة، فاستبدلتها على عجل بخطة أكثر صلة بالواقع، تنطوي على التحوط للحد من المخاطر الفتاكة للجائحة. أما السويد، فكانت ”صليبة رأس“، واستمرت أشهرا في ”عزف منفرد“ في التعامل مع الجائحة، وقبل أيام صرح الملك السويدي كارل ال16 في مراجعة لإنجازات عام 2020، عن أداء الحكومة في السيطرة على جائحة كورونا، فالحكومة هناك لم تفرض حظرا أو احترازات مثل ارتداء الكمامة أو إغلاق المطاعم والمشارب والمقاهي، بل كانت تحث السكان على تحمل مسؤولياتهم. والنتيجة أن كان عدد الإصابات 350 ألفا وهو الأعلى مقارنة بجيرانها، وكذلك عدد الوفيات الذي تجاوز 7800 شخص.
في السعودية، كان أول فعل معلن هو في بداية شباط «فبراير» 2020 عندما جلبت طلابها من مقاطعة ”يوهان“ في الصين، ثم أخذت الإجراءات تتوالى، خصوصا عندما أعلنت أول حالة في 2 آذار «مارس» 2020. وبتاريخ 15 آذار «مارس» اتخذت جملة قرارات حاسمة يبدأ نفاذها من اليوم التالي، تبعها بيوم تعليق الحضور للمقار للقطاع الخاص، وصدرت فتوى عن هيئة كبار العلماء بتعليق الصلاة في المساجد، ودعت بصفتها دولة رئاسة مجموعة العشرين إلى قمة استثنائية افتراضية لتكتل جهود مواجهة الجائحة.
لا مجال للاستطراد والسرد، لكن المجال يتسع لبيان أن وضوح الأولويات بأن الحفاظ على حياة البشر فوق كل اعتبار، التخطيط التفصيلي والعميق والاعتماد على أصحاب الاختصاص، والتنفيذ المنضبط حقق إنجازا، فكان عام 2020 عام جائحة صحية غير مسبوقة منذ قرن من الزمن، وكسادا اقتصاديا غير مشهود منذ تسعة عقود، ورئاسة لأعمال أعتى اقتصادات الأرض، وانكماشا لسوق النفط المصدر الأول لإيرادات الخزانة.. إلا أن السعودية شقت الطريق وتعاملت مع التحديات بكل جسارة واقتدار.