آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

ماذا يحمل لنا العام الجديد؟

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

قبل عدة أسابيع من هذا التاريخ، ودّعت مجلة «تايم» الأمريكية، هذا العام، بوضع علامة x فوق 2020، في صورة على غلافها الأمامي، معتبرة عامنا الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، الأسوأ بين الأعوام. والتقدير صحيح في جانب كبير منه، ولكن هذا الاستنتاج ينبغي ألّا يوخذ على إطلاقه. فما أسفر عنه الوباء من عجز عن التنسيق بين الدول باتجاه احتواء الوباء، قد كشف عن خلل كبير مستدام، في العلاقات الدولية، ليس فقط بين الغرماء، بل وحتى بين الحلفاء والأصدقاء. بما يعني أن الوباء بات مرآة كاشفة لسياسات بائسة، افتقرت إلى الحدود الدنيا من التنسيق، بين الدول الكبرى، واتسمت بصراعات مريرة، بلغت حد القرصنة، بين دول الغرب، في صور كاريكاتورية، تناقلتها كبريات الصحف العالمية.

الأزمات الاقتصادية في العالم، وانتشار المجاعات والحروب، واتساع الفروقات بين الغنى والفقر، لم تكن نتاج وباء «كورونا»، بل سابقة عليه بسنوات طويلة. وربما يعزى الفضل لوجود الوباء، في تعطيل مشاريع هيمنة، وحروب استباقية جرى الإعداد لها، وأعلن عن بعضها، وتعطلت بسبب هجمة الوباء.

تصور أن هزيمة الوباء، والتي يسود اعتقاد بأنها ستأخذ مكانها في منتصف موسم الربيع القادم، وستكون محطة انتقال نوعية في نمو الاقتصاد العالمي، هي رؤية مغرقة في التفاؤل، وينقصها الكثير من القراءة الموضوعية. فتعطل الاقتصاد العالمي، إثر جائحة «كورونا»، لأكثر من عام، لن ينقذه مهرجان الفرح، بهزيمة الجائحة. والنمو يحتاج بالدرجة الأساس، إلى معالجة تبعات الأزمة، وبشكل خاص إعادة إنعاش العمل بالشركات التي أودي بها، أو تلك التي أشرفت على الإفلاس. والمعالجة بحاجة إلى التراكم، قبل أن تكون قادرة على الانطلاق.

لقد خسرت معظم دول العالم مدخراتها، بسبب التعطل الكامل لشركات الطيران، ووسائل النقل، وأيضاً بسبب الضوابط التي فرضت على العمل بالشركات الكبرى. بما يعني أن معالجة تركة «كورونا»، في الجوانب الاقتصادية لن تكون أمراً سهلاً وممكناً بالنسبة لهذه الدول. فالكونجرس الأمريكي، على سبيل المثال، رصد قرابة تريليون دولار؛ لمعالجة ما ألحقه الوباء من خراب في اقتصاد البلاد، والرئيس الأمريكي ترامب يرفض التوقيع على طلب الكونجرس. ولن تسمح الأوضاع بمرور وقت طويل، من غير حل للأزمة.

والمؤكد أنه ليس بمقدور الدول الصناعية الكبرى، مضاهاة القوة الاقتصادية الأمريكية، فكيف إذا تعلق الأمر بدول العالم الثالث، التي عانت من مشكلات اقتصادية كبرى، ومن تركة احتلال أجنبي طويل، أوصل حالها إلى فقر مدقع. وفي ظل غياب التنسيق والدعم، من قبل الدول المقتدرة لهذه الدول، ستظل تعاني من ثقل أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وربما السياسية، ومن المديونية وكوارث الفقر والجوع لعقود طويلة.

وهناك خشية من أن تعيد هزيمة «كورونا»، الاعتبار لأجندات الهيمنة، التي كانت معدة قبل الجائحة، بما يتسبب في إشعال الحروب، خاصة أن كثيراً من بلدان العالم الثالث، تعيش حروباً حقيقية، كما هو الحال، في اليمن وليبيا وسوريا، لا تبرأ القوى الإقليمية والدولية من التسبب في إشعالها.

وربما تتسبب تركة «كورونا» أيضاً، في تصعيد الصراع الاقتصادي المحتدم بين أمريكا والصين وروسيا، ليصل حد حرب باردة. وليس من المستبعد، أن تصعّد إدارة بايدن المرتقبة، الصراع مع روسيا، وأن تحاصرها في حدائقها الخلفية، وتحدّ من اندفاعها نحو ترتيب أوضاعها مع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. وليس من المستبعد أن يشهد ما بعد الجائحة، نموّاً في النزعات القومية، بالقارة الأوروبية.

الأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها العالم، تفرض على المجتمع الدولي، تعزيز لغة الشراكة، وليس الصراع، وتسخير الثروات للبناء وتجاوز الأزمات، وليس إشعال الحروب. وفي الوطن العربي، فإن الحاجة ماسة لعقد سياسي، بهدف إطفاء الحرائق المشتعلة، والتخفيف من التوترات، وإعادة الاعتبار للعمل العربي المشترك.

نحن بحاجة ملحّة إلى إنهاء الحروب في جميع البلدان العربية، فقد تكشف أن الكل مهزوم في هذه الحروب، وأن الرابح الوحيد منها، هو القوى التي تضمر الشر للأمة وحقها في الحياة وبناء المستقبل. ولن يكون ذلك ممكناً إلا بالتسليم بالمساواة والندية والتكافؤ بين مكونات المجتمع الواحد. وأيضاً، بتحقيق إصلاح سياسي ببعد إنساني يغلّب مصلحة الأمة على ما سواها، ويعترف بحق المجتمعات العربية في تقرير مصائرها وأقدارها، بعيداً عن لغة الإكراه، واحترام الرأي والرأي الأخر، والحق في الحياة.

لعل عامنا الجديد يكون برداً وسلاماً، وفرصة لتجاوز الأزمة، والدخول إلى صناعة التاريخ، والمستقبل الواعد.