واقعنا لا يشبه صور جوالاتنا
في كل صباح نستيقظ من منامنا وندعو الله تعالى بأن يفتح لنا مصاريعَ الصباح بمفاتيح الرحمة والفلاح، ونتمناه أن يكون صباحاً مفعماًبالحيوية والنشاط، ومن ثم نفتح جوالاتنا التي امتلأت بالصور والتحيات الصباحية ”صباح الخير ويوم سعيد“ وغيرها من العباراتوالفيديوهات.
انها ابتسامات في الصور فقط نراها في جوالاتنا من أصدقاء لنا أو مع العالم الافتراضي، وقد تكون بعيدة عن أرض الواقع الذي يعيشهويلمسه الكثير من الناس في المجتمع، والذي نجد فيه بأن الواقع في حياتنا لا يتشابه مع تلك الصور والإبتسامات التي تحتويها جوالاتنا، حيث أن الواقع اليومي في حياتنا المجتمعية لم نرى الابتسامات على وجوه الكثير من الناس كالتي نراها في الصور التي تملأ جوالاتنا، وتلكالابتسامات تصبح من دون جدوى طالما لم نشعر بها داخل قلوبنا.
لا زلت أتذكر حچايات جدتي يرحمها الله تعالى وهي مفترشة ”الحصير“ ونتحلق حولها لسماع القصص الجميلة التي تشعرنا بالسعادهوالرضا، في أيام الزمن الجميل الذي كانت فيه بلدتي جزيرة تاروت تحيط بها النخيل الباسقات التي تتراقص فوق سعفها العصافير وتزينهاالأشجار الجميلة التي تتلألأ على أزهارها الفراشات، ولم تكن الجدة في الزمن الجميل مجرد امرأة مسنة وذات خبرة في التربية، بل كانتتقريباً مؤسسة تربوية واجتماعية تساعد على تجاوز الكثير من الشقاق والمشاكل.
اشتاق أن أسمع من حچاياتها الجميلة عن مكان تجمع النسوة في الفريچ، ذلك المكان الذي لا تصهره الشمس بحرارتها في أيام الصيفالحارة ويسمى ”الفية“، حيث يجلسن النسوة صباح كل يوم تحت ظلها يتناولون التمر والقهوة ويتفقدن أحوال بعضهن البعض إلى أذانالظهر، وتسرد لنا عن سعادة اليوم الذي يمر فيه زواج لعريس من أهل الفريچ فيقمن النسوة في الفريچ بتحضير كل تبعات طبخ الوليمة منتقشير البصل وتنسيف العيش «الرز» وغيرها، أوقات مليئةً بأجواء الفرح والسعادة والابتسامات التي تكثر فيها زغاريد النساء، ولا مكانللحقد والحسد أو الغيره كما هو حاصل اليوم.
عندما نرى أمرأة مسنة أو رجل مسن متمهلين في خطواتهم بين صابات الفريج يخفق قلبنا لأنهم يذكرونا بملامح وجوه الأجداد والجداتالذين عاشوا قسوة الحياة في الماضي، لكن في زمن الرقميات أصبح كل شيء بين أيدينا مما تسبب في فقدان متعة السعي وراء الأشياءللحصول عليها كما هو في السابق، رسائل صباحية ومسائية تصلنا على جوالاتنا أصبحت هي المعنى الحقيقي للتواصل في زمنالتكنلوجيا، بعد أن كانت مجالسنا المفتوحة هي التي تجمعنا ولا شيء يفرقنا، وللأسف أصبح الفراق بين الناس في زمن الذكاء الإلكترونيبضغطة زر لثواني من جوالاتنا تنهي كل ما بنيناه لسنوات!
إن التماس مشاعرنا الحقيقية بالمشاعر الإلكترونية لا إحساس لها، وإن الكثير منا يضحك ويفرح مع العالم الإفتراضي ولكنه في الواقعتجده شخص آخر في التعامل مع أبناء مجتمعه، وربما مع أهله في البيت وقد تراه مكتئباً وحزيناً بين أهله وجيرانه وأصدقائه، لكنه مع العالمالافتراضي يرغب بأن يكون سعيداً.
إذاً تلك هي حقيقة بأن التطبيقات والصور التي نستقبلها في جوالاتنا بين الحين والآخر لن تجعلنا سعداء أبداً، فكم نرى في العالمالإفتراضي من ابتسامات وأسماء مزيفة في الصور والفيديوهات لكنها بعيدة عن الواقع، وأن السعادة التي نشعر بها يمكن أن تنتهيبانتهاء الصور.