”مَن الَّذي حَرَّك الجبنةَ الخاصَّة بي؟“ سبنسر جونسن عرض وقراءة
حضرتُ مؤخرًا لقاءً بعنوان ”فن الرواية وكتابتها“ قدَّمها الروائي الكويتي الأستاذ عبد الوهاب الرفاعي «صدر له 23 كتابًا وعملًا روائيًا» «1»، عبر منصة ”زووم“، تناول فيه فن الرواية وأهميته والأدوات اللازمة لمن ينشد الكتابة في هذا المجال، مستعرضًا تجربته التي بدأت بالقراءة كثيرًا، لأنها الأساس لمن يريد أن يسلك هذا الطريق؛ فالقارئ الجيد ينتج كاتبًا جيدًا. تحدَّث في ثنايا اللقاء عن أعمال روائية وقصصية رائدة، منها ”مَن الَّذي حَرَّك الجبنةَ الخاصَّة بي؟“ للدكتور سبنسر جونسون، وهو مُؤلِّف الكتب الأكثر مبيعًا على مستوى العالم، والتي ساعدت «ولازالت» الملايين من الناس على اكتشاف الحقائق البسيطة التي يمكن استخدامها ليعيشوا حياة صحية وآمنة. بالرغم من بساطة هذه الحقائق إلا أن كثيرًا من الناس يغفل عنها؛ فتتعقد حياته وتتدهور نفسه، ويبتعد عن الأهداف الحقيقة التي عليه أن يصل إليها.
جونسون حاصل على الليسانس في علم النفس من جامعة جنوب كاليفورنيا، والدكتوراة من الكلية الملكية للجراحين. له العديد من المؤلفات في مجال الطب وجراحة القلب، وطُبع ما يزيد عن أحد عشر مليون نسخة من مؤلفاته بستٍّ وعشرين لغة.
في قصته الآنفة الذكر ”مَن الَّذي حَرَّك الجبنةَ الخاصَّة بي؟“، نشر وتوزيع مكتبة جرير، الطبعة الخامسة المعادة 2009، تتوفر منه بالإضافة إلى النسخة الورقية نسخة إلكترونية PDF، وكتاب مسموع مرفوع على ”اليوتيوب“. يطرح الكاتب وبأسلوب مبسط «وبترجمة واضحة إلى اللغة العربية» طريقةً رائعةً للتعامل مع التغيير الذي يطرأ على حياة الإنسان؛ ذلك أن الحياة مليئة بالمتغيرات على جميع المستويات: الصحية والنفسية والاجتماعية «والأسرية» والعملية «والوظيفية»...، فمن كان أسيرًا للماضي الذي ذهب عنه، فسيدخل في دوامة لا تنتهي؛ لأنها آمال قد انقضت وتوقعات قد فاتت، والحل الأمثل أن يعيش واقعه الجديد بروح جديدة وبأمل مشرق وبمستقبل متوقع، يسير نحوه بخُطى ثابتة ونفس متزنة.
يرى جونسون أن هذه القصة لها دور محوري في إنقاذ زيجات ووظائف، بل أرواح بشر!، وقد ذكر نماذج منها في كتابه توثيقًا لتلك الحالات، وما ذلك بغريب؛ لأن الفكرة إذا تغيرت في الأذهان من سلبية إلى إيجابية فإن الطريق يكون ممهدًا للوصول إلى الهدف.
”مَن الَّذي حَرَّك الجبنةَ الخاصَّة بي؟“ هي حكاية رمزية خيالية ذات مغزى أخلاقي، تدور حول فأرين: ”سنيف“ و”سكوري“، وقزمين: ”هيم“ و”هاو“، هم شخصيات القصة، بالرغم من اختلاف شخصية الفأرين من جهة والقزمين من جهة أخرى، إلا أنهم يشتركون في هدف واحد. إنهم يعيشون في متاهة، ويشرعون في رحلة البحث عن الجبنة.
”الجبنة“ هي رمز للهدف الذي نبحث عنه ونسعى إلى تحقيقه ونتذوقه حين الحصول عليه ونسعد به، ونشعر بالاكتفاء «الشبع»، قد تكون ”الجبنة“ مالًا أو جاهًا أو وظيفة أو صحة أو علاقة «أسرية/ اجتماعية» أو منصبًا. أما المتاهة فهي ترمز إلى الطريق الذي نمضي فيه باحثين عن الهدف، فربما لا يكون سالكًا، بل فيه غموض ووعورة، ولا يوصلنا إلى أهدافنا من أول سعي؛ وعليه فإن التعثر أمر طبيعي، ولا بد من الصبر وتكرار البحث، وإيجاد طرق بديلة من الطرق التي جربناها ولم توصلنا إلى شيء.
تبدأ رحلة البحث عن ”الجبنة“ في المتاهة: ممراتها وحجراتها؛ فيحصل عليها الفأران بعد بحث وتنقيب عنها ليس باليسير. يستقران في المحطة ويستمتعان بالجبنة ومذاقها الطيب، وهكذا حصل عليها القزمان اللذان بدا عليهما الرخاء والاطمئنان بأن الجبنة لن تنفذ وستكفيهما مدى الحياة، بسبب الكمية الوافرة منها. فجأة تنتهي الجبنة وتختفي، هنا يواصل الفأران بالبحث عن محطة أخرى علهما يظفران بها مجددًا، وبعد جهد جهيد وبحث متكرر يحصلان عليها، ليعودا من جديد بالاستمتاع بمذاقها. أما القزمان فأحدهما ”هيم“ بدت عليه الدهشة وأخذ في الصراخ، ولكن بلا فائدة، من أين ستأتي الجبنة وقد نفذت؟!.
في اليوم التالي أخذ القزمان يترددان على ذات المحطة لعلهما يجدان الجبنة «ولو بمعجزة»!، وهكذا استمرا في التردُّد إلى ذات المكان. وقفا حائرَين لا يعرفان ماذا يفعلان؟!. استسلم ”هيم“ لواقعه ولم يحرِّك ساكنًا، وأخذ يندب حظه، في حين بدأ ”هاو“ البحث عن حل لمشكلتهما، وفي غمرة حيرتهما، واصل الفأران ”سنيف“ و”سكوري“ التجول في المتاهة.. طريقًا طريقًا، وحجرةً حجرةً، حتى توقفا عند محطة أخرى وجدا فيها جبنًا وفيرًا.
وفي الوقت الذي بقي ”هيم“ ساكنًا في محله مستسلمًا لقدره محبطًا متشائمًا، يعيش التعاسة والبلاء في فكره ونفسه وجسده، سلك ”هاو“ طريقًا آخر لكي يخرجا من هذه الورطة، يبدأ من التخيل بأكل الجبنة ويستمع بها في عالم الخيال، كأنه واقع!، استعاد أنفاسه شيئًا فشيئًا، وبدأ رحلة البحث عن الجبن في المتاهة لعله يجد جبنًا له ولصاحبه. أما ”هيم“ فقد واصل ذات الطريق الذي يوصله للمحطة السابقة ذهابًا ومجيئًا كل يوم، ولكن بلا فائدة، مكتفيًا بترديد: ”مَن الذي حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟!“، بكل ألم وحسرة.
وبالرغم من الضعف الذي انتاب ”هاو“ من عدم أكل الجبن، إلا أنه واصل البحث عنه. فجأة وجد محطة جبن ثانية، لكنه لما دخل إليها وجدها خاوية، فأصيب بالإحباط مجددًا، سرعان ما عاد لالتقاط أنفاسه والمواصلة من جديد. بدَّد هواجسه وحرَّر ذاته من القيود، وأخذ في الانطلاق في رحلة بحث جديدة ابتداء من صورة خيالية رسمها في عقله بأنه وسط كومة من الجبن، وبهذه الروحية ومع العمل المتواصل وجد ضالته كما يريد، بل أكثر، وحين رجع مُبشِّرًا صديقه ”هيم“ المنطوي على نفسه، وعرض عليه قطعة ليتذوقها رفضها مُتذرِّعًا بأنه تعوَّد على طعم الجبن القديم!.
التقى ”هاو“ بالفأرين ليسمع منهما ما عملاه، فقصَّا عليه قصصهما في الجد والنشاط والانشراح والبحث من دون كلل ولا ملل. أدرك حينها أنه اكتشف نفسه مجددًا، وعثر على جانب الجمال فيها.
وفي ثنايا الأحداث سجل الكاتب دروسًا في سيكولوجيا التغيير من هذه القصة على شكل رؤوس نقاط تتوسط قِطَعًا من الجبن:
- امتلاك الجبن يغمرك بالسعادة.
- كلما كانت الجبنة هامة بالنسبة لك، فأنت في حاجة إلى الاحتفاظ بها، بالرغم ما تواجهه من صعاب.
- إذا لم تتغير، فمن الممكن أن تَفنى.
- اشتمْ رائحة جبن من حين لآخر، حتى تعرف متى يصيبها العطب.
- إن السَّير في اتجاه جديد يجعلك تعثر على مزيد من الجبن.
- عندما تتحرك متجاوزًا شعورك بالخوف، ستشعر بالحرية.
- كلما أسرعت في التخلص من الجبن القديم عثرت على الجبن الجديد.
- من الأسلم أن تبحث في المتاهة، بدلًا من أن تبقى من دون جبن.
- إن المعتقدات البالية لا ترشدك إلى جبن جديد.
- عندما ترى أنك تستطيع العثور على جبن جديد وتستمع به، فستُغيِّر طريقك.
يقدِّم لنا هذا العمل المتميز أنموذجًا رائعًا من نماذج العمل الأدبي الهادف الذي يترك أثرًا، بدءًا من الفكر والقناعات وصولًا إلى السلوك والأفعال؛ ما يدفع النفس إلى السعي نحو الأفضل، ومن هنا ما أحوج الشباب والشبائب إلى قراءة هذه الأبعاد، والبعد عن القصص والروايات الهابطة التي قد تقع في سقطات أخلاقية تارة، أوفي الإسفاف والترف تارة أخرى، فالكتابة ليست لمجرد الكتابة، بل لتحقيق هدف سامٍ وأثر بالغ.