«الرؤية» وانتشال الإنتاجية
متوسط قيمة ما ينتجه العامل في النرويج يعادل أكثر من 450 في المائة قيمة نظيره في ماليزيا، فما علاج تدني الإنتاجية؟ هناك من سيقول التعليم، وآخر سيقول الافتقاد للحوافز وللقيادة. كلنا يعلم أن التعليم هو الأساس، وجودته هي العلامة التي تفرق بين أمة وأخرى، وبين اقتصاد وآخر، بل ليس من المبالغة القول إن التعليم هو الذي يجعل التحول للإنتاجية والتنافسية ممكنا، ولطالما تحدثنا بإعجاب جم عن معجزات اقتصادية أحدثتها دول لا تمتلك موارد طبيعية، لكنها تمتلك موردا شائعا في كل الدول، ألا وهو المورد البشري. دول لديها كثرة من البشر وهي تعدهم عبئا، يعانون الفقر والمرض والجهل، وفي المقابل ثمة دول لديها كثرة من البشر وهي تعدهم ينبوعا للثروة والإنتاج والتنافسية والإبداع والاختراعات وتوليد الكثير والكثير من القيمة المضافة اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا. إذا هي نظرة متفاوتة من قبل الدول، مصدر تكلفة أو مصدر لتوليد القيمة.
لعل من المقبول القول، إن تحقيقنا قفزات هائلة في الإنتاجية هو متطلب أساسي لتحقيق تطلعات ”رؤية 2030“، ومبررات ذلك القول بدهية، وهي أننا نتحول من الريع للإنتاج، وذلك يتطلب أن نكون أعلى إنتاجية ممن ننافسهم أو ينافسوننا، وإلا كيف سنتمكن من إنتاج سلع وخدمات بأسعار أقل أو جودة أفضل أو كلاهما؟! وقفزات الإنتاجية تأتي من عدة مصادر، أولها احتضان ورعاية رأس المال البشري.
تنمية رأس المال البشري مرتكزة على التعليم، وهو الذي يحدث فارقا، وهو الأكثر تأثيرا في النمو الاقتصادي. يقصد بالنمو الاقتصادي زيادة قيمة ما تنتجه البلاد من سلع وخدمات عاما بعد عام. والعامل الأهم في تحقيق نمو اقتصادي إيجابي لأي دولة هو رأس المال البشري الذي تمتلكه تلك الدولة، فكما نعلم جميعا أحدثت اليابان معجزة اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية بفعل التعليم والتدريب والتأهيل وبفضل وجود خطة بأهداف، وكذلك ألمانيا، وبعدهما النمور الآسيوية، فمثلا لم تكن ماليزيا تملك أي وزن اقتصادي، لكنها أثبتت قدرتها ليس من خلال الاستمرار في تصدير المطاط، بل بالنقلة النوعية التي أحدثتها بتطوير موردها البشري واستخدام ذلك المورد استخداما حصيفا. وكذلك سنغافورة، التي كان شأنها شأن اليابان، لا تمتلك أي موارد طبيعية تذكر، فنهضة سنغافورة قامت على التميز، الإنتاجية العالية والسياسات الاقتصادية المتقدمة والحرص ثم الحرص ثم الحرص على التنافسية! وليس ملائما أبدا تجاوز ذكر كوريا، التي بدأت خطواتها الأولى للخروج من الفقر والعوز في نهاية الخمسينيات، واتجهت للاعتماد على النفس قدر الإمكان بالإحلال محل الواردات عبر التصنيع المحلي، وكذلك لتنمية صادراتها باستهداف الأسواق الخارجية.