هل أنت مربع أم دائرة؟
تدحرج في كلامه معي وبدأ بداية مثيرة ثم لونه بالأحمر والأصفر والأبيض والأخضر ثم بألوان الطيف مجتمعة دار رأسي حتى ظهرت عصافير صغيرة تحوم فوقه فلم أعد أعرف هل هو صادق فيما يقول أم إنة مراوغ كبير ويحاول أن يستدرجني للتعاطف مع مشكلته التي يطرحها علي لأبادر بمساعدته وقد ذكرني تلونه هذا بالدائرة التي درسناها في منهج الرياضيات وكيف قالت لنا المعلمة آنذاك بأن الدائرة لا بداية لها ولا نهاية أو على ما يبدو أنها قالت إن الدائرة تبدأ من أي نقطة أنت تريدينها أن تبدأ، لتنتهي في نفس النقطة ذاتها، وعلى أي حال، بدأ هذا الرجل في طرح مشكلته كالدائرة تماما يبدأ من حيث ينتهي وينتهي من حيث يبدأ يدور ويدور يكرر ويعيد، يشجب ويستنكر، يؤيد ويعارض، يضحك ويبكي، ولم أعد أفهم ماذا يريد.
كم من شخص في حياتنا أشبه بالدائرة تجده يدور مدار الرحى دون أهداف أو غايات واضحة أو كالساقية همها أخذ الماء وسكبه في نفس المكان الذي توجد فيه، مثل هؤلاء الأشخاص يلف حديثهم الغموض وتتسم أفكارهم بالضبابية لا تعرف صدقهم من كذبهم ومتى يقولون الحقيقة ومتى يبتعدون عنها في كل مرة يواجهون فيها مشكلة تتكاثر أعذارهم وتبريراتهم وفي كثير من الأحيان أنت تصدقها وقد يصلون بك إلى درجة الاقتناع بما يقولونه أو يؤمنون به والأخطر أن تنضم إليهم مع الوقت وتصبح واحدًا منهم.
لذا هم من الشخصيات التي تحتاج إلى وقت طويل لفهمها على عكس الأشخاص ”المربعة“ أي الذين شبهتهم بالمربع، فالمربع له أضلاع معدودة وزوايا محددة واضحة كوضوح الشمس تقاس بلا أخطاء تقارن بغيرها وتميز عمن سواها، فالأشخاص ”المربعة“ واسمحوا لي بمناداتهم هكذا فهم أشخاص ترتاح للحديث معهم إذ يمسكون بيدك لأول الطريق ويطلعونك على أقفال الأبواب الموصدة بل أكثر إن لم تجد لديهم حلولا لكل المشاكل على الأقل تجد عندهم مفاتيح لحلها، فهم واضحين في أسلوبهم بسطاء في تعابيرهم تعرف غاياتهم مباشرة فلا تخاف من الحديث معهم ولا في عقد الصداقات معهم.
وقد قادني مقالي هذا إلى البحث عن أكثر الشخصيات غموضا في العالم عرفهم التاريخ ومنهم:
دي. بي. كوبر: هو اسم مستعار أطلق على الرجل الذي اختطف طائرة بوينج 727 في 24 نوفمبر، 1971 بعد حصوله على 200,000 دولار كفدية، وقفز بالمظلة من الطائرة أثناء تحليقها فوق شمال غرب الولايات المتحدة، وحتى الآن لم يتم إيجاد دليل قاطع على شخصية كوبر الحقيقية والنقود التي سرقها لم يتم استرجاعها أبدا.
المرأة بابوشكا وباللغة الروسية يطلق عليها المرأة المسنة، وهذا الاسم أطلقته وكالة الاستخبارات الأمريكية على هذه السيدة التي كانت ترتدي ملابس تشبه ملابس النساء المسنات الروسيات، الغريب في هذه السيدة أنها كانت تتواجد أثناء اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي وكانت في قمة الهدوء وتقوم بالتقاط الصور في حين أن الناس كانوا يهرعون في كل الاتجاهات خوفاً ورعباً وحتى بعد وقف إطلاق النار كانت لاتزال في مكانها ومستمرة بالتقاط الصور هذا الأمر بعث الكثير من الشكوك عند وكالة الاستخبارات الأمريكية، فأرادوا أن يقوموا باستجوابها، ولكنها لم تذهب ولم يعرف لها طريق حتى الآن ولم يعرف هل كان لها علاقة باغتيال كينيدي أم لا؟
جاك السفاح: في عام 1888م تم قتل 5 مموسات بطريقة وحشية جداً، وبطريقة تسلسلية، فقد قطع السفاح حناجرهم، وبطونهن وأخرج أعضاءهن الداخلية، وكشفت التحقيقات أن السفاح لديه معرفة بعلم التشريح والجراحة، وتعددت النظريات حول الهوية الحقيقية لجاك السفاح، ولكن لم يتم التعرف عليه حتى الآن ولم يتم القبض عليه!
الرجل ذو القناع الحديدي: كان هناك سجين تم اعتقاله عام 1669، لمدة 34 عاماً، حيث تم نقله إلى سجن ”الباستيل“ في باريس وهو أحلك سجون فرنسا المخبئة تحت الأرض، بعدما قضى 11 عاما في سجن جزيرة ”سانت غرين“، وبقي في الباستيل حتى وفاته، هذا السجين كان وجهه مخفيا خلف قناع من الحديد أو القماش، لم ير أي أحد وجهه أبداً.. وكانت هناك العديد من النظريات حول هويته الحقيقية، ولم يتم التأكد من أية نظرية.
وبالطبع التاريخ يزخر بالأشخاص ”الدائرة“ وكذلك ”بالمربعة“ والمباحث فيها تطول وتكثر ولم أجد خير من يمثل الوضوح والصدق والإخلاص بعد الرسل والأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام إلا من نذروا أنفسهم لحمل رسائل تشابه رسائلهم المقدسة وبلا تحديد هويات وأسماء كل أم أنجبت وكل أب ربى وكل معلم غرس وكل طبيب أنقذ وكل جندي دافع وكل رجل دين أخلص وكل من حمل تلك الرسالة حملا صالحا. وبلا شك كل نفس تستطيع التميز بين الوضوح والغموض وبين اللف والدوران والردوب المستقيمة هي أنفس تستحق الإشادة بها.