16 نوفمبر.. اليوم العالمي للتسامح
”التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا“ من إعلان المبادئ في اليوم العالمي التسامح في 16 نوفمبر الذي اعتمدته اليونسكو في عام 1995.
جل المجتمعات والبلدان العربية والإسلامية وخصوصا في العقود الأربعة الماضية باتت تعيش أوضاعا صعبة وأزمات متفجرة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية.
التشظي والانقسام الأفقي 'بين المكونات الاجتماعية' والعامودي 'بين السلطات الحاكمة والشعوب' الحاد نجد تجلياته في تصدر الهويات «الأثنية، الدينية، المذهبية، المناطقية، القبلية» الفرعية، واتساع نطاق التطرف والعدمية والعنف والصراع والإرهاب المتبادل في حرب الجميع ضد الجميع والذي ينذر بتفكيك اللحمة الوطنية والمجتمعية الهشة التي تشكلت في إطار الدولة الوطنية 'الحديثة'.
العنف والإرهاب الذي تمأسس أصبح نسقا متكاملا في أبعاده الإستراتيجية والتكتيكية والتنظيمية والأيدلوجية ومن حيث أجندته وممارساته واستهدافاته المعلنة أو المضمرة.
الكثير من تلك الدول شهدت وتشهد اندلاع أعمال عنف وتدمير لممتلكات عامة وخاصة ومواجهات وتفجيرات دموية غالبية ضحاياها من المدنيين، وذلك بهدف شل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وخلق حالة من الفلتان الأمني، كما تحدث مواجهات مسلحة بين أجهزة الأمن والجماعات الإرهابية المسلحة يسقط خلالها قتلى وضحايا من الجانبين.
وهناك بلدان تعيش صراعات دامية وحروب أهلية فعلية أو كامنة تحت الرماد، كما هو حاصل في سوريا وليبيا واليمن والعراق والسودان والصومال وأفغانستان وباكستان ولبنان وغيرها، كما يجري تصدير العنف والإرهاب إلى شتى دول العالم.
تلك الحالات تقف وراءها في الغالب إن لم تكن جميعها جماعات إسلامية متطرفة ومتشددة تطرح شعارات ديماغوجية ومخادعة، على غرار الإسلام هوالحل، الحاكمية لله، الولاء والبراء، دار الحرب ودار الإسلام، وحرب الفسطاطين، متكئين في ذلك على ابتسار بعض النصوص من القرآن والسنة والأحاديث النبوية خارج سياقها، متجاهلين أسباب النزول وظرفها التاريخي المحدد.
وقد أشار الإمام علي بن أبي طالب إلى هذه الحقيقة حين ذكر أن القران 'دفتا كتاب لا ينطق ولكن ينطق به الرجال' وبأنه 'حمّال أوجه'، محذرا من استخدام الدين أو استغلال آيات القرآن أوتوظيفه، من خلال تحريف مدلولاته وتجزئة نصوصه لأغراض واستهدافات خاصة ونفعية.
الأديان السماوية بشكل عام والدين الإسلامي على وجه الخصوص في مضمونه ومغزاه الحقيقي وفي نصوصه لم يكن دعوة إلى القسوة والعنف والإرهاب ضد الآخر غير المسلم، أو حتى من هو خارج الديانات السماوية، ناهيك عن المسلم، بل هو دعوة للتآخي والمساواة والكرامة والتسامح والعدل 'وكرمنا بني آدم - الآية' بين البشر كافة.
جرى تجاهل القاعدة الشرعية التي تقول 'الضرورات تبيح المحظورات' و' أن الأصل الإباحة ما لم يكن هناك تحريم قطعي الدلالة' في حين تصدرت الدعوات والفتاوى التي تضيق على حرية الفرد في سلوكه وطريقة حياته المدنية وتفكيره المستقل، وتخنق المجتمع بمحرمات 'تابوهات' متنوعة، وذلك تحت مسمى 'باب سد الذرائع' و'المحذورات مقدمة على الضرورات' والدفاع عن صحيح الدين والمذهب، والتكاليف الشرعية والحفاظ على الأخلاق والعفة، والتي تطورت على نحو خطير بإدعاء الانتماء إلى الفرقة الناجية، وامتلاك الحقيقة الدينية المطلقة التي تسوغ التكفير والتبديع وممارسة العنف المادي والرمزي والتطرف والإرهاب بحق الآخر المختلف المنتمي إلى الطوائف والمذاهب الإسلامية المغايرة، ناهيك عن الأديان التوحيدية وغير التوحيدية.
كما شمل التكفير والإرهاب الحكومات والأنظمة العربية - الإسلامية وكذلك البلدان والمجتمعات الغربية على حد سواء. رغم مخالفة ذلك لما جاء في القرآن من آيات واضحة الدلالة ومنها قوله تعالى 'لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي - سورة البقرة' والآية 'فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر - سورة الكهف' وقوله تعالى 'ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين - سورة يونس' وقوله 'وما على الرسول إلا البلاغ - سورة المائدة' كما رفض الإسلام منطق الوصاية والتكفير، قال تعالى 'فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر' وهناك الكثير من الآيات التي تحض على الرفق واللين، حيث خاطب القرآن النبي بقوله 'فقل لهم قولا ميسورا - سورة الإسراء' وقوله تعالى مخاطبا النبي 'فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك - سورة آل عمران'. هذا اللين والرفق والتسامح الذي حض عليه القرآن تكرر في الكثير من السور' ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة، كأنه ولي حميم - سورة فصلت'.
وفي قصة موسى وهارون وفرعون 'الذي أدعى الربوبية' بقوله تعالى 'اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى - سورة طه' وفي الحديث النبوي 'لا حلم أحب إلى الله من حلم إمام ورفقه، ولا جهل أبغض إلى الله من جهل إمام وخرقه' وعلى إثر معركة أحد التي جرح فيها النبي ﷺ وكسرت أسنانه طلب منه بعض صحابته أن يدعو على قومه أسوة بنوح وكان رد النبي 'اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون'.
في قول مأثور للخليفة عمر بن الخطاب ”إذا سمعت كلمة تؤذيك فطأطيء لها حتى تتخطاك“
في معركة صفين حين بلغ الإمام علي بن أبي طالب أن جماعة من أصحابه يسبون أهل الشام - جيش معاوية، طلب منهم اجتناب السباب وخاطبهم قائلا 'إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر' كما نستحضر ما جاء في وصيته لمالك الأشتر 'الناس نوعان أخ لك في الدين وشبيه لك في الخلق'.
ما ذكرته هو جزء يسير من قيم التسامح واللين مما جاء في القرآن والسيرة النبوية وحياة بعض الشخصيات الإسلامية البارزة، لكن للأسف فإن في مقدمة من يخرقونها هم الجماعات الإسلامية المتشددة والمتسترة بعباءة الدين. حيث يوظفون الدين «المقدس» خدمة لمصالحهم وتوجهاتهم الفئوية والدنيوية «المدنس» الخاصة.
في الواقع التسامح خصيصة غالبية الأديان والعقائد الأرضية القديمة الأخرى. ونشير هنا إلى المسيحية التي تتضمن أناجيلها المختلفة والمتفرقة ذات المعنى المتسامح. يقول المسيح عيسى ”لقد قيل لكم من قبل أن السن بالسن والأنف بالأنف، وأنا أقول لكم لا تقاوموا الشر بالشر بل من ضرب خدك الأيمن فحوّل إليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك وإن سخّرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين. من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان. عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم وإن متم بكوا عليكم“.
وفي الديانة اليهودية ”كل ما تكرهُ أن يفعلهُ غيرك بك فإياك أن تفعلهُ أنت بغيرك. اغتسلوا وتطهروا وأزيلوا شر أفكاركم.. وكفّوا عن الإساءة. تعلّموا الإحسان والتمسوا الإنصاف“. غير ان التوراة جرى تحريفها وبالشكل الذي يسوغ ويحض على قتل وسبي واستعباد الأخرين «الأغيار» من غير اليهود الذين أطلق عليهم صفة عنصرية إستعلائية تتمثل في ”شعب الله المختار“.
غير أن تلك التعاليم والتوجيهات الدينية والأخلاقية سرعان ما جرى تحريفها وتجاوزها، من خلال توظيف الدين من قبل الأنظمة والجماعات المتسلطة والإستبدادية، وبالتالي لم تمنع اندلاع الحروب الطاحنة التي شهدتها الديانات السماوية في ما بينها وفي داخلها في الآن معاً، والتي ذهب ضحيتها الملايين من البشر، من منطلق ادعاء كل فرقة دينية أو مذهبية بأنها الناجية، والأخرى كافرة ومبتدعة وعلى ضلال مبين، متجاهلين ما جاء في تلك التعاليم الدينية ومن بينها الإسلام من حث ودعوة واضحة للتسامح. في قوله تعالى ”إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد“ «سورة الحج». لقد شملت تلك الآية المسلمين واليهود والنصارى، بل من غير أصحاب الديانات السماوية مثل المجوس والمشركين موضحة «الآية» بأنه الله «لا الناس أو فريق وطائفة منهم» وليس غيره من البشر هو الشاهد على البشر، وهو من سيفصل بينهم ويحاسبهم.
الاختلاف هنا يعني تقبل المغايرة، وبالتالي هذا المبدأ لا يقرر الكراهية للمخالف أو النفور منه أو تكفيره واحتقاره. كل ما يقرره القرآن، انطلاقاً من هذا الفهم هو الدعوة إلى الحوار والجدال بالتي هي أحسن. وهذا هو منتهى التسامح في الدين. صحيح أن مصطلح أو مفردة التسامح تحديداً لم تتطرق إليها الديانات السماوية بما في ذلك الإسلام، لكن هناك أكثر من 200 آية في القرآن الكريم تطرقت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى المدلول نفسه.
فكرة التسامح المنغرسة بقوة في الأديان، لم تمنع من اندلاع الحروب الدينية والطائفية الدموية في المسيحية، كما نشيرإلى الحروب الصليبية بين االمسيحية والإسلام، أو بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، بفعل المصالح الخاصة، الاستبداد، التعصب، وطغيان الأيديولوجية والنزعة الفئوية المقيتة.
لقد جرى على مدى التاريخ الإسلامي «ماعدا فترات قصيرة منه» تغييب أو غياب مفهوم التسامح، حيث تصدر الاستبداد وفقهاء السلاطين ومصالحهم الفئوية والعصبوية الخاصة، التي تلغي وترفض وتقصي الآخر من منطلقات ومصالح دنيوية «المدنس» رغم تغليفها بعناوين وشعارات «المقدس» فكرية وأيديولوجية دينية.
هنا علينا الإقرار بأن فكرة التسامح أعيد طرحها وبقوة على إثر الحروب الدينية الدامية التي شهدها الغرب، وما سمي بحرب الثلاثين عاماً بدءاً من المجازر بين طائفتي الكاثوليك والبروتستانت في القرن السادس عشر، ومن بينها على سبيل المثال مجزرة باريس والمدن المجاورة، التي قدر عدد ضحاياها بنحو مئة ألف قتيل، كمانقف عند الدور المرعب للكنيسة المتحالفة مع الإقطاع والحكم المطلق، والتي أقامت محاكم التفتيش وما رافقها من ألوان البطش والتعذيب الذي وصل إلى حرق وقتل المخالفين من أصحاب الديانات والمذاهب «اليهود والمسلمين» الأخرى كما حدث في أسبانيا، كما طالت العلماء والمفكرين المنشقين على التعاليم المتزمتة والمنغلقة للكنيسة البابوية، ناهيك عن إشاعة الخزعبلات على شاكلة بيع الكنيسة وترويجها لصكوك الغفران.
وقدأسفرت تلك الحروب والكوارث الإنسانية عن نتائج كان لها بالغ الأثر على الأوروبيين في المقام الأول، وأصبحت منجزاً ومكسباً للإنسانية جمعاء. حيث أصدر الملك الفرنسي هنري قانوناً تضمن السماح للبروتستانت بحرية التفكير وحرية العبادة، ومنحهم الحق في إقامة تكويناتهم الدينية والسياسية المستقلة وضمان القضاء العادل للجميع بمعزل عن المذهب.
التسامح هنا هو نتاج التصدي الاجتماعي والفكري والسياسي للعنف واللاتسامح وسلب الحق في الاختلاف بحجة المغايرة في المذهب أو العقيدة. أما الحدث الثاني فكان فيه التسامح أكثر شمولية، حيث صار مرادفاً للحق في الاختلاف عقائدياً وفكرياً، القائم على فكرة الحقوق الطبيعية لكل البشر، وأهمها الحق في الحياة وحرية التفكير، هذه الفكرة طورها وعمقها فلاسفة الأنوار، من خلال تجاوز التركيز على حقوق السماء لتشمل الحقوق الأرضية «الدنيوية» للبشر.
نستحضر هنا قول جون لوك أحد رواد الفكر الفلسفي/ التنويري الحديث والذي يعتبر من أهم من تبنى فكر التسامح في وجه المتعصبين الدينيين ”ليس من حق أي شخص، بأي حال من الأحوال، أن يحقد على شخص آخر في شأن متعه المدنية لا لسبب إلا لأنه ينتمي إلى كنيسة أخرى أو يؤمن بدين آخر. فكل الحقوق والامتيازات التي لشخص من حيث هو إنسان أو من حيث هو مواطن من اللازم أن تكون محفوظة له من دون أن تنتهك.. يجب ألا يلحق هذا الشخص أي عنف أو ضرر سواء كان مسيحياً أو وثنيا“ جون لوك - رسالة في التسامح.
كما نشير إلى القول المأثور عن فولتير ”إني أخالفك رأيك ولكني أدافع حتى الموت عن حقك في إبدائه؛ أنا أمقت ما تكتب ولكنني على استعداد تام لأن أضحي بحياتي من أجل أن تستمر في الكتابة“
فولتير في مقدمة رسالته في التسامح. وعلى خطى أفكار جون لوك في التسامح يقول: ”وحدوا أنفسكم وأقهروا التعصب والأوغاد، واقضوا على الخطب المظللة والسفسطة المخزية والتاريخ الكاذب «…»، لا تتركوا الجهل يخضع العلم، سيدين لنا الجيل الجديد بعقله وحريته.. لم أكن في حاجة إلى حذق كبير أو بلاغة متكلفة كيما أثبت أن على المسيحيين أن يكونوا متسامحين فيما بينهم. غير أني سأذهب إل أبعد من ذلك فأدعوكم إلى اعتبار البشر جميعا إخوة لكم. ماذا؟ قد تجيبون؛ أيكون التركي شقيقي؟ والصيني شقيقي؟ واليهودي؟ والسيامي؟ أجل بلا ريب؛ أفلسنا جميعا أبناء أب واحد، ومخلوقات إله واحد؟“
يشير جان جاك روسو في مؤلفه الشهير ”في العقد الاجتماعي“ أن التقسيمات القومية وتعدد الآلهة، كانا بمثابة العاملين الأساسين لوجود اللاتسامح الديني والمدني في التاريخ. واندلاع الحروب الدينية فكل طائفة كانت تعتقد بأن توجهها الديني هو الأصح في مقابل التوجهات الأخرى، وتزيد الأمر غلوًا باعتمادها - طائفة من الطوائف الدينية - على التحكم السياسي والقوة العسكرية ”. لذا طرح روسومفهوم الدولة المدنية ومدنية الدين“ وجب أن يكون الدين مدنيًا لا يخضع إلا لحرية الفرد العقدية،.. المثبتة لاحترام المواطن لقوانين الدولة أو التعاقد الاجتماعي الذي هو جزء لا يتجزأ منه "
وأعتبر جان جاك روسو ”إن الحق الذي يجعله الميثاق الاجتماعي للسيد على الرعايا لا يجاوز النفع العام مطلقا؛ ولذلك لا يلزم الرعايا بتقديم حساب إلى السيد عن آرائهم إلا بالمقدور الذي تهم به المجتمع، والواقع أن ما يهم الدولة أن يكون لكل مواطن دين يحبب إليه واجباته، غير أن عقائد هذا الدين لا تهم الدولة ولا أعضاءها إلا بالمقدار الذي تناط معه هذه العقائد بالأخلاق والواجبات التي يلزم من يعلمها باتباعها نحو الآخرين، ثم إنه يمكن كل واحد من أن يكون له من الآراء ما يروقه من غير أن يكون من شأن السيد أن يعلمها، وذلك بما أنه ليس للسيد سلطان في العالم اللآخر مهما كان نصيب رعاياه في الحياة الآتية فإن هذا لا يكون من شؤونه، وذلك على أن يكون هؤلاء الرعايا صالحين في هذه الحياة الدنيا“
حين نرجع إلى التراث العربي / الإسلامي
نستعيد هنا فكرة التسامح لدى أبي العلاء المعري بقوله:
إِذا عثرَ القومُ فاغفرْ لهم فأقدامُ كل فريق عُثرْ
وفي موضع أخر يقول:
ما الخير صوم يذوب الصائمون له ولاصلاة ولاصوف على الجسد
وإنما هو ترك الشر مطرحا ونفضك الصدر من غل ومن حسد.
كما يقول الأمام الشافعي:
وعاشرْ بمعروفٍ وسامحْ من اعتدى ودافعْ ولكن بالتي هي أَحْسَنُ
ويقول أبو حيان التوحيدي: من عاشر الناس بالمسامحة زاد استمتاعه بهم
مفكرو عصر الأنوار ومن بينهم جان جاك روسو ولوك وفولتير وغيرهم، والثورات التي استندت إليها كثورة الاستقلال الأميركي «1776» والثورة الفرنسية «1789» أرست عصراً جديداً في معنى حقوق الإنسان ومفهوم التسامح الذي اكتسب لأول مرة الصفة القانونية كحق إنساني «طبيعي» لا يمكن التطاول عليه من أي جهة كانت تحت عناوين دينية أو فكرية أو عرقية.
أرتبط مفهوم التسامح بفكرة المساواة أمام القانون، وكفالة حقوق الإنسان والحريات العامة، ومن بيتها حرية الرأي والتفكير والقول والنشر والتجمع، والمشاركة في صنع القرار.
في عام 1996، دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، من خلال أنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور ««القرار 51/95، المؤرخ 12 كانون الأول/ ديسمبر». وجاء ذلك الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة في 1993 سنة 1995 بوصفها سنة الأمم المتحدة للتسامح. وفي المؤتمر العام ليونسكو في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1995، اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ بشأن التسامح وخطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح.
على صعيد بلادنا جاء الإحتفاء باليوم العالمي للتسامح في هذا العام ليزف بشائر سارة، حيث أوضح وزير التعليم، الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ، أن الوزارة تعمل حاليًا على إعداد مناهج دراسية في التفكير النقدي والفلسفة بهدف تنمية قيم حرية التفكير والتسامح، وعدم التعصب الفكري لدى الطلاب والطالبات، وتمكينهم من ممارسة مهارات التفكير الناقد والفلسفي في المواقف الحياتية المختلفة.
وقال وزير التعليم خلال لقاء حوارات السعودية الثالث بعنوان ”نتحاور لنتسامح“، الذي ينظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بمناسبة اليوم العالمي للتسامح: ”إن وزارة التعليم تسعى لترسيخ قيم التسامح والتفاهم الإنساني في الأوساط الطلابية؛ بصفتها ركيزة أساسية لتعزيز التسامح في المجتمع، من خلال ممارسات متعددة، تستهدف شخصية الطالب والطالبة، وفكرهم، وأساليب تعاملهم.“
الحدث السار الثاني تمثل في إنشاء أول جمعية أهلية غير ربحية تعنى بالفلسفة، تجمع المهتمين والمهتمات بالشأن الفلسفي، لتمكينهم من المشاركة المجتمعية العامة. وجاءت هذه المناسبة في سياق إقرار السعودية من العام الماضي في إتاحة تدريس الفلسفة ضمن المناهج الدراسية لطلبة الثانوية. وقد أعلن أكاديميون سعوديون في 12 نوفمبر الجاري تأسيس أول جمعية فلسفية مرخصة في تاريخ في البلاد
وكشف الصديق الدكتورعبدالله المطيري، أستاذ الأصول الفلسفية للتربية في جامعة الملك سعود، عن الجمعية الجديدة قائلا: يسعدني كثيرا أن أزف لكم خبر تأسيس جمعية الفلسفة كجمعية أهلية غير ربحية تعنى بالشأن الفلسفي في المملكة العربية السعودية، وتسعى لتمكين المهتمات والمهتمين بالشأن الفلسفي من المشاركة المجتمعية العامة، والجمعية بهذا تصبح أول جمعية فلسفية في تاريخ المملكة.